جاءت مشروعية الزكاة، ويمكن تعريفها أنها حق الفقراء في أموال الأغنياء، وقد بررها الله سبحانه وتعالى في سورة الحشر – الآية 7 (مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وإن كان الحديث في هذه الآية ينصب على الفيء الذي جناه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني النضير، إلا أن المعنى العام لجزئية الآية التي تقول (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنكُمْ) تعني أنه لا يزيد الأغنياء غنى إلى غناهم وألا يعيش الفقراء في الفقر المدقع. وعلى هذا الأساس فإن الزكاة والمال الموجود بين يدي الأغنياء من المسلمين هو مال الله الذي منحه ويسره لبعض البشر وربما مسكه لسبب أو لآخر على بعض البشر، هو المال الذي يجب أن يتم تداوله وتقديمه كحق للفقراء من المسلمين، والله سبحانه هو المانح وهو الذي فرض تلك الزكاة على فئة الأغنياء لتقديمها عن طيب نفس، ونكرر فإن الزكاة يجب أن تكون عن طيب نفس، إذ لا يجب أن يتبعها أذى أو منّ أو أي نوع من التكبر وإلا انتفت مشروعيتها وأجرها وذهب كل ذلك أدراج الرياح. ومن ناحية أخرى فإن ذلك يجب ألا يجعلنا نعتقد أن الإسلام يرفض الثراء والغنى بل على العكس فإن الإسلام يعرف أن تملك المال وحبه هو فطرة غرسها الله سبحانه وتعالى في نفوس البشر، وهي حق من حقوق البشر، فنحن هنا لا نتكلم عن دولة اشتراكية شيوعية إذ لا يمتلك أحد شيئا تمامًا وهذا مناف لفطرة الإنسان، ولكن الإسلام يقنن مسألة حب المال والتملك بالزكاة والصدقة وما إلى ذلك من أساليب شرعية محددة وواضحة. وتعريف الزكاة لغة: النماء والطهارة والزيادة، وقيل إنها سميت زكاةً لأنه يرجى بها زيادة المال ونماؤه وطهارته، ولأنها تنمي الأجر أيضًا، وقال تعالى في سورة التوبة – الآية 103 (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، أما من الناحية الشرعية فالزكاة هي حق واجب في مال مخصوص يخرج لطائفة مخصوصة، في أوقات مخصوصة ومحددة. ففي كتاب بعنوان (دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها) يقول: «فالإسلام يريد للناس أن يحيوا حياة طيبة ينعمون فيها بالعيش الرغد ويغتنمون بركات السماوات والأرض، ويأكلون من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ويحسّون فيها بالسعادة تغمر جوانحهم، وبالأمن يعمر قلوبهم وبالشعور بنعمة الله يملأ عليهم صدورهم، وبذلك يقبلون على عبادة الله بخشوع وإحسان ولا يشغلهم الهمّ في طلب الرغيف، والانشغال بمعركة الخبز عن معرفة الله وحسن الصلة به، والتطلع إلى حياة أخرى هي خير وأبقى. ومن هنا فرض الله الزكاة، وجعلها من دعائم دين الإسلام، تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء، فيقضي بها الفقير حاجاته المادية، كالمأكل والمشرب، والملبس والمسكن، وحاجاته النفسية الحيوية، كالزواج الذي قرر العلماء أنه من تمام كفايته، وحاجاته المعنوية الفكرية، ككتب العلم لمن كان من أهله». ولكن من ناحية أخرى يقول الدكتور عليّ أوزاك في بحثه بعنوان (عرض الجهود والأفكار المعاصرة في المؤتمرات والمجامع والدراسات المتخصصة عن المفاهيم والتطبيقات الحديثة للزكاة) يقول: «ولكن الزكاة حسب المفهوم الذي انتشر بين المسلمين بشكل واسع مع مرور الزمن بأنها هي عبارة عن صدقة أو مساعدة يجب اعطاؤها للفقراء، هذا المفهوم خاطئ لأن حصة الفقير من الزكاة التي يجب دفعها هي 25% وحسب البحث الذي تم فإن نسبة 75% من الزكاة المجموعة يجب صرفها في الخدمات الأخر». بمعنى آخر أن مجال توزيع الزكاة وانتشارها مجال واسع، ويحتاج من الباحثين إعادة دراستها حسب مقتضيات العصر الذي نعيش، إلا أنه يجب ألا نغفل أساسيات موضوع الزكاة، وبالتالي يجب النظر في أمور حيث تتعلق بمصاريفه ومستحقيه وما إلى ذلك من أفكار وأمور تحتاج من العلماء إلى إعادة النظر فيها. وعمومًا نحن هنا في هذه الدراسة لن نتحدث عن مشروعية الزكاة ومصارفها ومستحقيها، فهذه الأمور وغيرها قد أشبعها الفقهاء بحثًا ودراسة، وإن ما يهمنا في دراستنا هو العلاقة التي تقبع فما وراء كل هذا، ربما علاقة الزكاة بالاقتصاد الوطني، وربما علاقة الزكاة بالرفاه والحياة الاجتماعية، الأبعاد الفكرية والاقتصادية التي أدت إلى فرضية الزكاة، وهل لو طبقت فريضة الزكاة اليوم يمكن أن تحل الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية للإنسان؟ zkhunji@hotmail.com
مشاركة :