النظر إلى العالم المثالي على أنه أداة مؤثرة لتعزيز روح المبادرة وقيادة التحول التنظيمي يأتي في ضوء أن التغيرات السريعة التي يشهدها العالم أسهمت في وضع مزيد من الضغوط لاستكشاف المجهول. ولكن مع الأسف، الخوف من الطريقة التي يتطور فيها العالم، والاستماتة في الحفاظ على ما نملكه، والرغبة في الاحتفاظ بالأمور التي بنيناها في عقولنا، نرى أنفسنا مأخوذين بالفلسفة الجديدة التي تفضي بأنه يجب أن نكون سعداء أكثر ــ تجعلنا نواصل مقاومتنا ورفضنا التغيير. فلماذا نسعى للمستقبل إذا كان ذلك مؤلما؟ ولماذا نرى أن عالمنا ينهار؟ نركض بشكل أسرع نحو الضوء في نهاية النفق لتجنب الشعور المتزايد بالعجز واليأس. وبدلا من تقبل المجهول، يعمينا ما نعتقد أننا نعرفه بشكل أكبر. تتعلم الشركات منهجية أجايل فقط في سبيل رفع إنتاجيتها وزيادة إيراداتها وتحقيق الأرباح. كما تنخرط الحكومات في مشاورات مع أصحاب المصلحة، لكن تأتي استنتاجاتها، عن طريق المصادفة، لتؤكد نيات الأشخاص من أصحاب السلطة. هناك مخاوف عند عديد من الأشخاص حول النفايات البلاستيكية في المحيطات، ولكنهم يتجاهلون لماذا أصبحت هذه المسألة مهملة. نتغير في سبيل أن نبقى كما نحن، ولكن لا يعد ذلك كافيا في ظل التحديات التي نشهدها بشكل يومي. كتب أينشتاين في 1946: وجود أسلوب تفكير جديد أمر ضروري في حال رغبت البشرية في النجاة والتحرك نحو مستويات أعلى. العقلانية في العمل هي محور اهتمام وتفكير القادة، ومع ذلك يجب بذل مزيد من الجهد في هذا المجال. دعوت خلال فترة عملي أستاذا، عديدا من التنفيذيين والمديرين ليكونوا أكثر عقلانية وذكاء. لا أدعو هنا إلى التخلص من العقلانية، ولكن بدلا من ذلك، أقترح التخلص من العقلانية التي تفرض نفسها على الواقع المعقد بشكل استبدادي. لتحديد الهدف، فإن اختيار الإجراء الأفضل للوصول إليه، ومن ثم قياس العواقب، وأخيرا ادعاء النجاح بمجرد انتهاء المهمة، ليس بالأمر الكافي. ففي عالم مملوء بالمفاجآت، يجب أن تتخطى أحلامنا أهدافنا إن أردنا أن يكون لها معنى. فالإحساس بالهدف أمر ضروري لإيجاد قيمة على المدى الطويل، كون حلمنا الذي يقود أهدافنا، هو الذي يضمن استمراريتنا في المرحلة المقبلة. ويجب أن ندرك أيضا أننا قد لا ننجح في تحقيق أهدافنا، وقد يكون ذلك بمنزلة فرصة كونها قد تحتاج إلى التغيير. يجب ألا نبقى سجناء لأهدافنا. ففي عالم سريع التغير علينا أن نحب ما نقوم بعمله. بالاستناد إلى قيمنا، نستطيع أن نكون فخورين بما حققناه وأن نبقى متأهبين. بدلا من خدمة نظام يهدد بالقضاء على إنسانيتنا، لنتأكد من وضع الإطار العقلاني في سبيل خدمة قيمنا وأحلامنا. القدرة على الحلم بخروج عالمنا المستقبلي إلى حيز الوجود تساعدنا على البقاء. فضلا عن كونها استراتيجية فعالة. تتمحور خبرتي في "إنسياد" حول فكرة أن بناء المدينة المثالية يخول للتنفيذيين والمديرين تحرير عقولهم من التحيزات الفكرية. تستمد تلك الطريقة من المبادئ الثلاثة الأساسية للسلطة الحكيمة: "ازدواجية الفكر، النضج العاطفي، وسخاء الروح". وهي طريقة تفكير وشعور ورؤية من شأنها تعزيز قدرتنا على مواجهة العالم بمنتصف الطريق. وهي ضرورية ولا سيما عند اتخاذ قرارات مهمة وصعبة. تتكون السلطة الفعالة من القدرة على مواجهة المفاجآت، حتى الحقائق غير السارة بصراحة وشجاعة، على الرغم من أنها قد تتعارض بشكل مباشر مع معتقداتنا وتفضيلاتنا الراسخة. فالقادة الذين يتمتعون بالحكمة هم أقل عرضة للخوف من المجهول الذي يحركنا للدفاع عن أنفسنا، كونهم ينظرون إلى الأمور بشكل أعمق. وبدلا من التركيز على الضوء في آخر النفق، يتعلمون التوقف للنظر إلى النفق ويرونه على أنه مصنوع من أشجار جميلة، تعد كل منها بمنزلة مدخل لمكان آخر بإمكانهم اكتشافه أو التعلم منه أو رؤيته فقط. اليوم وأكثر من أي وقت مضى، يجب اتخاذ القرارات الاستراتيجية الخاصة بالعمل، في ضوء مجالات قوة أخرى. فمن الضروري أن تنطوي المثالية على المجالات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية والبيئية، إضافة إلى قطاع الأعمال. يخول ذلك للقادة تقبل التوقعات المتزايدة لأصحاب المصلحة المتعددين لعديد من القضايا. تتمتع المناطق الرمادية المعقدة والغامضة بحق الوجود في ظل تلك المبادئ المثالية. على سبيل المثال، ليس عليك الاختيار بين الأعمال التي تتمتع بحرية العمل، والحكومات التي تمتلك السلطة والتشريعات، فبإمكانك الحصول على الاثنتين... يتبع.
مشاركة :