كتب المفكر المصرى سلامة موسى، كتابا بعنوان «فى الحياة والأدب»، ضم مجموعة من المقالات التى استمر سلامة موسى فى كتابتها بالصفحة الافتتاحية لإحدى المجلات الأسبوعية على مدار سبع سنوات، وقد تحدث خلال هذا الكتاب عن أعجوبة الطفولة.قال سلامة موسى: إنه إذا قوبل الطفل بعجائب العالم، كان أعجبها وأدعاها إلى التأمل والاعتبار، فقد كان ابن سينا يعجب بالإنسان، ويقول إن العالم الأكبر قد انطوى فيه، وكان شكسبير يقول إن الطفل أبو الإنسان، فإذا ضممنا القولين قلنا العالم كله أو الكون كله قد انطوى فى الطفل.ذكر «موسى» أنه إذا نظرنا إلى الطفل من حيث إنه اختراع للطبيعة ألفيناه من أغرب المخترعات، فنحن إذا اخترعنا آلات جديدة صنعناها كلها على غرار واحد كأنها أوتومبيلات تخرج من مصانع فورد، ولكن الطبيعة تخترع الأطفال وكل منها على مثال نفسه لا نظير له.وتابع موسى: أنه من هنا تبدأ صعوبة تربية الأطفال لأنه لو كانت أطفالنا تخرج على غرارنا بلا زيادة، لكان لنا الحق فى أن نتبسط معهم ونكسبهم كل آرائنا وننبهم إلى كل ما عرفناه من خير وشر، ولكنهم شىء جديد فى هذا العالم قد تطورت به الحياة طورا جديدا وعبرتنا إليهم مرتقية صاعدة وتركتنا فى الخلف.وأوضح موسى: أن التربية الحقيقية للطفل هى أن نقف من الطفل موقف التعجب فقط لا نمس أغراضه ولا آراءه، إلا بالاحتياط الشديد حتى ينشأ إلى طابع نفسه وعفو طبيعته، وإنما علينا أن نهيئ لها الوسط الذى تبلغ فيه أعلى مقدار من نموها دون أن نعوق غصونها بوضع الحواجز والعوائق، وعلينا أن نتذكر أننا مهما حاولنا تنشئة الطفل فى حرية الرأى والعقيدة؛ فإنه سيلتبس بحكم وسطه ولغته وثقافته بآراء الغير وعقائدهم، فالجديد فيه سيكون مع ذلك قليلا، ولكن هذا القليل سيكون ثمينا جدا إذا نظرنا إليه فى ضوء التطور؛ فإن العالم لا يتطور بما يرثه الخلف من السلف، بل من يجدده الخلف عن السلف ويرتقى به عليه.
مشاركة :