الإسلامُ كالعهد به واضحٌ وصريح في أطروحاته، فلا يواري الحقيقةَ ولا يخفيها، فـ«الحَقُّ أَبْلَجُ وَالبَاطِلُ لَجْلَجٌ» كما يقول المثل العربي، ومعنى (أبلح) أي كالشروق والمنكشف، و(لجلج) تعني التردد والإحراج. وهذا واضحٌ في موقف القرآن الكريم من الربا، ففي آيتين فقط أوضح تعالى هذا الموقف بكل وضوح واقتدار، فقد جاء في سورة البقرة قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى، فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلى اللَّهِ، وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أصحاب النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ «275» يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) «276». وقد روي عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قلّ»، رواها ابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان، ويعني إلى فقر وذل. وفي مصحف جامعة الملك سعود – المصحف الإلكتروني يقول: «لمَّا ذكر تعالى الأبرار المؤدين النفقات، المخرجين الزكوات، المتفضلين بالبر والصلات لذوي الحاجات والقرابات في جميع الأحوال والآنات شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات، فأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم، فقال: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس)، أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قيامًا منكرًا. وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا يخنق. رواه ابن أبي حاتم، قال: وروي عن عوف بن مالك، وسعيد بن جبير، والسدي، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، نحو ذلك. وفي حديث أبي سعيد في الإسراء، كما هو مذكور في سورة سبحان: أنه، عليه السلام مر ليلتئذ بقومٍ لهم أجواف مثل البيوت، فسأل عنهم، فقيل: هؤلاء أكلة الربا، رواه البيهقي مطولا. وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الحسن بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي الصلت، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت، فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا». ورواه الإمام أحمد، عن حسن وعفان، كلاهما عن حماد بن سلمة، به. وفي إسناده ضعف. وقد روى البخاري، عن سمرة بن جندب في حديث المنام الطويل: «فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح، [ما يسبح] ثم يأتي ذلك الذي قد جمع الحجارة عنده فيفغر له فاه فيلقمه حجرًا» وذكر في تفسيره: «إنه آكل الربا». ينقل أبو عبدالله محمد بن سعيد رسلان في كتابه «الترهيب من الربا» عن الحافظ رحمه الله قوله: «يفغر، أي يفتح وزنًا ومعنى، وقال: قال ابن هبيرة: إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر، وإلقامه الحجارة، لأن أصل الربا يجري في الذهب، والذهب أحمر. وأمَّا إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئًا، وكذلك الربا، فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد، والله من ورائه يمحقه». انتهى أما معنى «يمحق» فهو ينقص ويقل ويهلكه ويُذهب بركته. ولكن الغريب في الموضوع هو لماذا كان موقف الإسلام من الربا بهذه القساوة؟ على الرغم من أن الربا ينمي المال، ألا يمكن أن يضاف إلى أموال الدولة ويربيها ويكاثرها وبالتالي ينمو الاقتصاد ولا تحتاج الدول إلى زيادة الرسوم والضرائب وما إلى ذلك؟ لماذا رفض الإسلام هذا النوع من المال؟ وفي حجة الوداع عندما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام يخطب بالمسلمين قال محرمًا وواضعًا نهاية الربا بكل وضوح «وإن ربا الجاهلية موضوع كله، وأول ربا أضع ربانا ربا العباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله» رواه مسلم. وحتى نفهم موقف الإسلام من كل ذلك علينا أن نفهم معنى الربا، ومدى إضراره بالفرد والمجتمع، وهذا حديثنا القادم. zkhunji@hotmail.com
مشاركة :