بدأنا حديثنا بالأمس عند بعض الأضرار الاجتماعية التي يسببها التعامل بالربا، واليوم نستكمل الحديث. أولاً: الدائن؛ وهو الشخص الذي يمنح المال مقابل زيادة معينة، وهذا يتأثر بالطرق التالية: للعبودية للمال؛ لم يستنكر الإسلام حب المال وجمعه ولم يستقبح ذلك، وإنما بيّن في القرآن الكريم في الكثير من الآيات أن حب المال أمر فطري في الإنسان، قال تعالى مثلاً (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) سورة الكهف - الآية 46. فالمال هنا زينة وتفاخر، وقال أيضًا (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) سورة الفجر - الآية 20. فلم ينكر الشارع ولم تنكر الآيات الكريمة هذا الحب. إلا أنه في المقابل هذا الحب مرهون بالعديد من الضوابط فلا يمكن أن يبلغ هذا الحب درجة العبودية للمال أو حتى أقل منه كأن يكون المال هو الغاية والهدف الذي يسعى إليه الإنسان بدلاً من أن يكون وسيلة لتحقيق الأهداف المرجوة من تواجده، فالمال في الإسلام هو مال الله سبحانه وتعالى يعطيه لمن يشاء لينتفع به هو تارة، ويقدمه لعامة المسلمين في صورة زكاة أو صدقات من أجل الارتقاء بالمستوى المعيشي للمسلمين ومن يعيش في المجتمع المسلم تارة أخرى. وربما يمكن أن نتذاكر قصة صاحب الجنتين التي وردت في سورة الكهف من الآية 32 إلى الآية 44. والتي تحكي قصة رجلين كانا يعيشان في قرية واحدة، كان أحدهما فقيرا ولكنه مؤمن بالله وتقي وراض بما قسمه الله له، والآخر كان غنيا يمتلك حديقتين كبيرتين بهما كل ما تشتهي الأنفس من زروع ونخل وفاكهة وأعناب وأنهار، ولكنه كان منكرا لنعم الله عز وجل عليه ومغرورًا بما أتاه الله. وفي يوم من الأيام أخذ الرجل الغني الرجل الفقير إلى حديقته وهو يتباهى ويتفاخر بما يملك وليس بما أتاه الله سبحانه وتعالى معتقدًا أنه هو صاحب الفضل في إيجاد هاتين الحديقتين، وقال له الفقير لا تتكلم هكذا بل احمد الله واشكره على هذه النعمة التي يمكن أن تزول في طرفة عين بأمر من الله سبحانه، ولكن صاحب الجنتين لم يقتنع بكلام الرجل. وفي يوم ما عندما كان الرجل الغني ذاهبًا إلى حديقتيه وجدهما أرضا جرداء لا ماء فيها ولا زرع، فانصدم بما رآه، وظل يقلب كفيه متعجبًا كيف حدث هذا، وندم أشد الندم على ما كان يقول وعلى نكرانه لنعم الله عليه. لذلك يختم الله سبحانه وتعالى القصة بالآية 44 التي تقول (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ، هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا). فالمال والدنيا ما هما إلا وسيلة لتحقيق أهداف أكبر، فالمال زائل وكذلك الدنيا والباقي هو الله سبحانه وتعالى، فهو المانح وهو المعطي، وهو المانع والقابض، فإذن العبودية يجب أن تكون له وحده سبحانه بما أنه يعطي ويمنع، فالطاعة له وحده ولا يمكن نسيان نعمته، فلا يلهينا مال عن ذكره سبحانه. والربا ينمي في الإنسان حب المال، وينسيه حب الله سبحانه وتعالى، فلا يطيعه ولا يذكره، وإنما يعيش هذا الإنسان للمال ومن أجله جمع المال فقط، من غير أن يفكر في الله وعطاياه ونعمه، فيتحول المال من وسيلة إلى غاية، وهنا يتحول هذا المال من مخلوق إلى خالق يعبد. قتل المشاعر وتحجر القلب؛ هل يمكن أن تتحجر القلوب وتتبلد مشاعر الإنسان؟ ربما لا توجد إجابة مادية واضحة، فليس من المعقول من الناحية الفسيولوجية أن تتحول تلك الكتلة المصنوعة من عضلات ودم إلى حجارة، ولكن المقصود هنا أن تتحول هذه الكتلة التي من المفروض أن تكون مصنوعة من لحم ودم إلى التعامل مع الأمور الحياتية من غير مشاعر ومن غير عاطفة، بمعنى أن يتم التعاطي مع الأمور والتفاعل معها بشيء من اللامبالاة. ولكن هل يمكن لإنسان أن يصل إلى هذا المستوى من القسوة واللامبالاة، بحيث يتعامل مع إنسان آخر من غير مشاعر ومن غير عواطف، على الرغم من أن هذا الشخص الآخر إنسان ويعيش معه في مجتمع واحد؟ وإن حدث ذلك فماذا يمكن أن تكون النتيجة؟ لنتأمل قول الله تعالى في سورة البقرة - الآية 74 حينما يصف بني إسرائيل وكيفية تعاطيهم وتعاملهم مع أنعم الله (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أو أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، لقد بلغت القلوب درجة عالية من القساوة حتى أن الحجارة القاسية والشديدة القساوة كانت أرق من قساوة تلك القلوب، إذ إن بعض الحجارة تتفجر لتخرج ما تخزن في جوفها من مياه التي تُعد رمزًا للحياة. ولكن ما الأسباب التي تؤدي إلى قسوة القلوب؟ هذا ما سنعرفه في الغد إن شاء الله. zkhunji@hotmail.com
مشاركة :