قبل نحو عشر سنوات كنت في صالون الحلاقة، كان الحلاق في اللمسات النهائية للتشذيب، رفع المؤذن الآذان لصلاة العشاء، فقام الحلاق بإغلاق الباب حتى لا يدخل زبائن جدد، وعاد ليكمل لمسته الأخيرة، سمعنا طرقاً عنيفاً على الباب، عنيفاً جداً، فخرجنا سوياً أنا وهو وزميله الآخر، هما ليريا من الطارق، وأنا لأخرج. كان الطارق شاباً في العشرين من عمره على الأكثر، كان غاضباً جداً ومنفعلاً، وبمجرد فتح الباب أمسك بتلابيب الحلاق صارخاً بما معناه: لماذا لا تقفل للصلاة؟ كان الحلاق في حالة هلع، ولم يحر جواباً، فأجبت الشاب بمحكيتنا «تو المذن ما بعد ختم الآذان، والمسجد قريب، والعشاء وقته واسع»، فنهرني صارخاً: «أنت مالك شغل». القصة طويلة، انتهت بعد ساعة بتفاصيل كثيرة منها محاولتي مساعدة المغلوب على أمره، لكن المهم أنها عندما انتهت كنا أنا وهو وزميله وهذا الشاب ورفيقه لم نصلِّ العشاء جماعة في المسجد!! اختفت هذه الممارسات المتشددة بفضل قرار حكيم تعرفونه جميعاً، اختفت ولم يفرط في الصلاة من كان دائماً يصلي لربه، مؤدياً الركن الثاني من أركان دينه، أصبح الموظف أو العامل أو صاحب المحل يقفل طوعاً، ويصلي. اليوم يطالب البعض بعدم إقفال المحال وقت الصلاة، وزادت المطالبات أو المناقشات مع قرار إصدار ضوابط لفتح المحال على مدار الساعة لمن يرغب، أو يستطيع، وبمقابل مالي، وهو قرار اقتصادي له ما له وعليه ما عليه، وهو أيضاً خيار وليس إجباراً. أستغرب كثيراً ممن يطالبون الحكومة بإصدار قرار يمنع الإقفال وقت الصلاة، فهذا أولاً ليس عمل الحكومة، ويتنافى مع حرية التملك والتصرف، والحكومة تحمي الناس والعاملين من الجور في ساعات العمل، أو من المخاطر الأمنية فتحدد وقتاً أقصى لإغلاق بعض النشاطات، لكنها لم يسبق لها، ولا لأي حكومة في العالم أن حددت لصاحب «الحلال» متى يقفل لاستراحة الغداء، أو متى يفتح صباحاً، فهذه تدخل في باب الحريات الشخصية لكل متجر وأصحابه. ربما يكون هناك «سوء استخدام» لأوقات الصلاة عبر إقفال بعض المحال لمدة أطول من وقتي الوضوء والصلاة، وهذا يجب أن نعترف أنه نشأ أساساً من قلة ساعات الراحة الممنوحة للعمالة. في هذه الدعوات إغفال لحق العامل في الصلاة في وقتها، خاصة إذا كان المحل لا يعمل فيه غيره، والصلاة «كتاب موقوت» أي وقت معلوم، وربما لا تتوافر السعة الزمنية إلا في فريضة صلاة العشاء. أيضاً في هذه الدعوات تشدد مقابل للتشدد السابق، ويبدو بعض المتكلمين في الأمر وكأنهم جميعاً في حالات اضطرار لا تأتي إلا في أوقات الصلاة، فضلاً عن السؤال الخاص بالرجال: لماذا لا تصلون بدلاً من الانتظار أمام المحل؟ أعرف أن الاضطرار قد يحدث أحياناً للصيدلية أو محطة الوقود، وهذه يمكنها ألا تقفل بتوفير أكثر من عامل يتناوبون لخدمة «المضطرين»، أو الصلاة جماعة مع الزبائن في موقعهم، أو أي حل «وسطي»، ونقاشي لم ينتهِ بعد، ولعله يتصل.
مشاركة :