في عام 1997 نظمت صحيفة «الحياة» ندوة صحافية في نادي الفروسية بالرياض عن تخصيص الأندية الرياضية السعودية، حضرها اثنان من أبرز المصرفيين، ورجل أعمال كان شغل منصباً حكومياً رفيعاً، ومتخصص في الإعلام الرياضي، وأديرت الندوة حينها بإشراف وحضور الزميل داود الشريان. أسجل للتاريخ أن «الحياة» كانت أول من نفذ مادة صحافية من الحجم الكبير - نشرت في صفحاتها الاقتصادية على حلقتين - عن هذا الملف الذي شهد إطلاق التنفيذ أول من أمس بموافقة مجلس الوزراء، وذلك بتخصيص الأندية الرياضية في الدرجة الممتازة المشاركة في دوري المحترفين وتحويلها إلى شركات ومن ثم بيعها. ظل هذا الملف يراوح في مكانه طويلاً حتى جاءت الرؤية السعودية الجديدة ووضعته في جدول إصلاحاتها العاجلة، ولكني أخشى من وتيرة التنفيذ البطيئة. إذ ظهرت تصريحات مسؤولي هيئة الرياضة موحية بأن الأندية الجاهزة قليلة، وصرح رئيس الهيئة الأمير عبدالله بن مساعد ببعض التفاصيل التي لا تشجع المستثمرين كثيراً، مثل أن أسهم الأندية لن تطرح للاكتتاب أو تدرج في السوق، وأن المرحلة الأولى ستكون مقصورة على المستثمرين السعوديين! السعودية تفكر وتخطط لتنفيذ بيع جزء صغير من أكبر شركة نفط في العالم، هي «أرامكو»، وستتيح للمستثمرين الأجانب الشراء وفق أنظمة معينة، وهيئة الرياضة ستقصر المرحلة من تخصيص الأندية على السعوديين، وهذا سيقلل من العوائد المتوقعة ويجعل الخطوة تبدو متحفظة جداً، في الوقت الذي يشتري السعوديون لأنفسهم أسهماً أو حصصاً في أندية أوروبية أو يشترونها بالكامل، ومثلهم المستثمرون من كل مكان! إجمالاً، الخطوة مهمة وستضع بعد إتمامها الذي أتمنى ألا يطول عن كاهل الخزانة العامة عبئاً مالياً ضمن خططها للتقشف وتقليص الإنفاق، وربما في مراحل لاحقة تصبح الأندية الرياضية من مصادر الدخل عبر دفع الزكاة والدخل، وإذا فتحت للأجانب عبر الضريبة على أرباح الشركات الأجنبية. كنت أتمنى خطوات أشمل وأسرع وتشمل كل الأندية، وكنت أطمح إلى أن يرافق ذلك الإعلان عن السماح للأفراد والشركات بتأسيس أندية جديدة تشعل المنافسة وتوسع السوق، وهي الخطوات التي ربما ستأتي لاحقاً، أو تأتي بالتدريج إذا نجحت أندية الدرجتين الأولى والثانية في الوصول إلى دوري المحترفين للأندية الممتازة، لتدخل تحت مظلة قرار الموافقة الصادر عن مجلس الوزراء. الرياضة كالسياحة والترفيه في السعودية من القطاعات البكر في الاقتصاد، وهناك شغف لدى السعوديين بالرياضة وصل إلى حد التعصب الأعمى، وعدد برامج الإعلام الرياضية والعاملين فيها ربما يفوق حجم القطاع الذي تركز للأسف على كرة القدم فقط. يتمنى الشارع الرياضي ومعه بالطبع الفعاليات الاقتصادية أن تصل الحكومة إلى المرحلة التي ترفع يدها تماماً عن الأندية من الناحية المالية والإدارية، وصولاً إلى مرحلة الاتحادات المستقلة لكل لعبة، وهو الطريق الذي سيجعل من قطاع الرياضة أحد مصادر الدخل وليس أحد بنود الإنفاق. سيستثمر القطاع الخاص في الرياضة إذا صدرت أنظمة الحوكمة القوية للقطاع، وكان تقييم سعر الأندية دقيقاً ومحترفاً، وستشهد الرياضة إجمالاً، والكرة السعودية على وجه الخصوص، تطوراً كبيراً، لأن المنافسة ستصبح على البطولات والأرباح.
مشاركة :