بعنوان «الشباب السعودي يتفــوق على الأميركي في إقامــة المشاريع»، نشرت صحيفة سعودية خبراً مصدره القاهــــرة يتحدث عن تقرير «أجنبي» يقول مطلعه: «تفوّق الشباب السعـــودي على نظيره الأميركي في إقامة المشاريع بسن مبكــــرة. وأوضـح تقـــرير موقـــع «بيزنس تو سي» المختص بمجتمع المـــال والأعمال، أن الشاب السعودي والإماراتي يمكنهما إقامة شـــركة في سن الـ26، بينما في الولايات المتحدة لا يقيم 62 فـــي المئة من الأميركيين شركاتهم سوى في الـ55 من العمر». يمكن دوماً للإعلام وبعض الإعلاميين أن يقتطع جزئية من شيء لإعطاء الصورة التي يريد ضمن العنوان الذي يرغب، وفي سياق معين يعتسف المادة الصحافية ويلوي ذراع الحقائق فقط ليواكب شيئاً، فالجمل الإنشائية أعلاه أتت في إطار ثناء التقرير نفسه على الرؤية السعودية. ربما بعض الإحصاء في الخبر صحيح أو دقيق، لكن ماذا عن التحليل الحقيقي اقتصادياً واجتماعياً لذلك؟ وهل حقق ذلك للاقتصادين السعودي والإماراتي تفوقاً على الاقتصاد الأميركي؟ أو هل قدمت الشركات السعودية والإماراتية التي أسسها الشباب في سن مبكرة منتجات وخدمات منافسة للأميركية، أو تزاحم في السوق هناك بقية منتجات وسلع العالم؟ هل زادت إنتاجية الفرد السعودي على الأميركي نتيجة هذا التفوق؟ ومن يستقطب الخبراء، صالحهم وطالحهم، من الآخر برواتب فلكية؟ لا أرى في انخفاض متوسط العمر عند تأسيس الشركات علامة تفوّق، إنها مجرد الديموغرافيا وارتفاع نسبة الشباب في المجتمعين الخليجيين، ثم هي، إذا أردنا الحديث بواقعية، ظاهرة اجتماعية واقتصادية معروفة في المنطقة من أن كثيراً من المسؤولين والمشاهير ينشئون شركاتهم باسم الأقارب والأبناء والأصدقاء، وأخيراً هناك الشركات المملوكة فعلياً، التي تدار تنفيذياً من الأجانب تحت الداء المزمن في السعودية المسمى «التستر التجاري». غرام الإعلام العربي باقتطاع جزئية واستثمارها في مواد وعناوين غير عميقة داء قديم، شفي البعض منه ليس لقناعتهم الذاتية، ولكن لأن الإعلام والجديد تدخل وغيّر قواعد الاتصال والتلقي على حد سواء. يمكن أيضاً أن نقول إن الإنسان في السعودية والإمارات «رجلاً كان أم امرأة» يصبح جداً ولديه أحفاد وهو في الأربعينات من عمره، بينما «لا يصل» الأميركي أو الأوروبي إلى هذه «المتعة» إلا في الستينات على أقل تقدير، هل هذا يعني تفوقاً اجتماعياً ونضوجاً عاطفياً مبكراً؟ أم أن الدراسة والتحليل ستكشف غير ذلك وتعري وجه المجتمع من التبرج بالأرقام والإحصاءات من دون الغوص في دلالاتها وتأثيراتها العاطفية والإنسانية. الكثير من الأشياء نستطيع القول فيها إننا حققنا رقماً أو نسبة، وهي من مسكنات فارق التقدم الاقتصادي والحضاري وبالتأكيد الاجتماعي. لماذا نقول إن الرجل في أميركا يبدأ حياته في الـ50 بينما في السعودية والإمارات تبدأ العائلة في تقبيل رأسه كإعلان شيخوخة مبكرة؟ أو لماذا لا نقول إن السعودي والإماراتي يفكران في مظهر العمل والشكل الرسمي له أكثر من جوهره وما تنتجه هذه الشركة، أياً كانت.
مشاركة :