هناك منظور آخر يمكننا من خلاله دراسة العلاقات، وهو مدى تعمق هذه العلاقات في المحيط الاجتماعي الأوسع. وفي محيطك المهني الخاص، ستجد أن عديدا من زملائك المقربين مرتبطون هم أيضا بعلاقات عمل مشتركة مع بعضهم بعضا. كما أن جميع أفراد فريقك على علاقة بعضهم بعضا -وهذه العلاقات متأصلة أكثر من الناحية الهيكلية. وتشير النتائج التي خلصنا إليها إلى أن التوافق والتماسك لهما تأثير كبير للغاية في علاقة أي شخصين يعملان في مؤسسة في حال كانا محاطين بعديد من المعارف المشتركين. فعلى سبيل المثال، عندما تعمل ضمن فريق ويطلب منك القيام بشيء مختلف، يمكن لبقية الفريق معرفة ما إذا كنت ملتزما بالتغيير والسياسة الجديدة أو لا. وفي هذه الحالة، لديك فرصة جيدة للامتثال لأن هذه العلاقات تجعل الأمر ضروريا أكثر وتشعرك أن الجميع مشاركون في رحلة التغيير الرسمي نفسها. بالنسبة لصديقينا في ميلانو، ستشكل الطبيعة العميقة لعلاقتهما رد فعلهما إزاء عملية إعادة التنظيم. وبجانب ذلك، يعمل الشخصان في المكتب نفسه وقد انضما إلى الشركة منذ فترة، لذلك من المحتمل أن يكونا مندمجين بشكل كبير في بيئة الشركة ككل. وهنا يصبح السؤال الملح هو: هل يعني عمق العلاقة والاعتماد المتبادل بينهما على المستوى الشخصي أنهما يقاومان التغييرات التي من شأنها إضعاف علاقتهما؟ أم أن اندماجهما في إطار الهيكل الاجتماعي للشركة يجعلهما أكثر ميلا للامتثال للتغييرات؟ توضح دراستنا أن التواصل الشخصي أقوى ويمكنه الصمود حتى في مواجهة التغيير الذي قد يضعف العلاقة. دروس مستقاة من العلاقات في ظل تواصل الأشخاص بطرق مختلفة، وتأثير شبكات العلاقات داخل الشركة في تسهيل أو إعاقة التغيير الرسمي، سيكون في مصلحة الشركات التي تخطط لعملية إعادة تنظيم استراتيجية أن تأخذ ما يلي بعين الاعتبار: 1. من المرجح أن يتطلب تنفيذ تغيير استراتيجي إجراء تغييرات في الهيكل التنظيمي الرسمي. ولن يقتصر نطاق تأثير التغيير على العلاقات الشخصية فحسب، بل سيكون لتلك العلاقات الشخصية دور في حجم تأثير التغيير. كما أن آليات تنفيذ الاستراتيجية تتجاهل في كثير من الأحيان النطاق الأوسع للشركة والأشخاص المساهمين في نجاحها. وتتمثل الخطوة الأولى للإدارة العليا في فهم أن التغيير التنظيمي قد يؤثر في العلاقات الشخصية. 2. من المحتمل أن تستمر العلاقات الشخصية العميقة وقد تقاوم إعادة الهيكلة التنظيمية. وسيكون التغيير أكثر فعالية بالنسبة للأشخاص المنخرطين بشكل كبير في الهيكل التنظيمي والمندمجين فيه. ومع ذلك، فالعلاقات الشخصية القوية قد تضعف فعالية إعادة التنظيم، لذلك يحتاج القادة إلى تفهم موقع العلاقات الشخصية القوية ومكانتها وسبل تحسينها والاستفادة منها. 3. نشوء علاقات جديدة بعد التغييرات الهيكلية الرسمية. وفي حالة التغييرات الواسعة، غالبا ما تكون العلاقات الجديدة متأصلة بقوة من الناحية الهيكلية ومتوائمة تماما مع التغييرات المطبقة. وسيؤثر الهيكل الرسمي في طريقة تواصل الناس وتفاعلهم بعضهم بعضا أي كيف يقضون وقتهم ومع من يتحدثون والموضوعات التي يناقشونها، ولابد للقادة في أعقاب عمليات التغيير الرسمي أن يكونوا مدركين مدى التأثير الواقع على العلاقات المهنية الجديدة والمنتهية. ترى ميشيل روجان "كلية كينان فلاجلر للأعمال - جامعة نورث كارولينا" وماري لويز مورس "كلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال" أن شبكة العلاقات تسهم بشكل مباشر في تشكيل أعمال جديدة ونمو المعرفة. وعندما يتمتع المديرون بالحرية لاستثمار مواردهم الشخصية "مثل الخبرة والمعرفة" في بناء شبكاتهم الخاصة تكون معارفهم أكثر استعدادا لبذل مواردهم في المقابل. ومن شأن دمج كل ذلك في استراتيجية إعادة التنظيم أن يضمن للشركة عدم خسارة القيمة. التغيير المرهق والشبكات غير الرسمية وجدت سوزان لينش خلال تدريسها للتغيير التنظيمي أن كثيرا من التغيير قد تكون له عواقب غير مستهدفة. فقد خلصت في دراسة سابقة لها إلى أن تطبيق عمليات إعادة التنظيم بشكل مستمر يؤدي إلى نمو سلطة الشبكات غير الرسمية وتجذرها. فعند غياب الهياكل التي توفر التوجيه يلجأ الموظفون إلى إنشاء "شبكات بيروقراطية غير رسمية" لجعل التغيير مفهوما ومنطقيا. ومن الممكن أن ترهق مثل هذه التغييرات المستمرة الشركة. لكن حين يكون التغيير التنظيمي نادرا وينفذ بشكل جيد تصبح الهياكل الرسمية أكثر تأثيرا ويمكن للشبكات غير الرسمية دعم التغيير وتمهيد الطريق أمامه. ويشكل التحول الشامل على جميع المستويات إحدى السمات المميزة للعصر الرقمي. وفي الوقت الذي يعد فيه التغيير التنظيمي إجراء ضروريا، لكنه إن كان يحدث بوتيرة سريعة مماثلة لوتيرة التغيير التكنولوجي، فإن العلاقات داخل الشركة ستكون عرضة لاختبارات قاسية لأن الموظفين غير قادرين على تحمل مثل هذا القدر من التقلبات. وعند التفكير في عملية إعادة تنظيم استراتيجية يجب على الإدارة العليا أن تأخذ بعين الاعتبار تأثير الفراشة الناجم عن تغييراتهم "الصغيرة" وسبل تعزيز بيئة العمل والعلاقات الإيجابية بين الزملاء بدلا من تقويضها.
مشاركة :