صباح الحرف - حقائق تعيسة.. وأخرى سعيدة

  • 8/14/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في رواية «آنا كارنينا» يقول تولستوي: «جميع الأسر السعيدة تتشابه، لكن كل أسرة تعيسة فهي تعيسة على طريقتها»، وهو كلام جميل كعبارة، لكن صحته فيها قولان، ومنطقيته فيها أقوال كثيرة. هذه العبارة لم ألاحظها في الفيلم الذي جسّد الرواية – هل الصحيح قول جسّد أم مثل؟ - لكني قرأتها في كتابة «مختلفة» للكاتب المصري عزت القمحاوي، عنوانها «حقائب سعيدة وأخرى تعيسة»، وموضوعها «.. عن مشاعر رفيقك الصامت»، تناول فيها ببراعة الحقائب، مسقطاً عليها فلسفة إنسانية خاصة، ومستشهداً بشعوب وروايات بطريقة ممتعة. استحضرت هذه العبارة وأنا أستعرض عناوين ومواضيع خلال الأسبوعين الماضيين حول خصوصية الناس المستخدمين لتطبيقات وبرامج تواصل أو اتصال أو خدمات مثل «تويتر يعتذر عن استغلال مستخدميه»، في حالات تم فيها «استخدام خيارات الإعدادات ربما بشكل مخالف لما هو مقصود»، ولا بد أن أسجل إعجابي هنا باستخدام كلمة «ربما» الذي له دلالاته القانونية. أيضاً وبشكل رسمي أعلنت «أمازون» وقف التنصت على تسجيلات عملائها، «لتحذو بذلك حذو الشركتين أبل وغوغل»، أي أن الشركات الثلاث كانت تتنصت على الناس، وفي جميع الحالات بما فيها حالة «تويتر» لم يتم استئذان الناس، أو حتى إعلامهم. أيضاً قرأ الجميع عن «برمجية تلتقط صوراً لمستخدمي أندرويد وآيفون دون علمهم» والقائمة ليست قصيرة. لا بد أن نشكر «أباطرة» التقنية كلهم على هذا «العتق» النسبي، وهذه الاعترافات التي لم تحرك كثيراً من المستخدمين، على رغم أن بعض الدوائر الحقوقية والاجتماعية في الغرب تحاول مناكفتهم، لكنها مناكفة تشبه محاربة الدول للتدخين، تعرف ضرره، لكنها لا «تود» الاستغناء عن ضرائبه. كلما زاد عدد الذين لا يهتمون لذلك زاد «الخبث» في هذه «السوق»، ازدادت محاصرة الناس وزاد التحكم فيهم درجة أخرى، والمضحك المبكي أن هذه الأشياء أو هذه السوق باتت كأنها «النخاسة» العصرية.. غير القصرية. الكثيرون - وأنا منهم – لا يكترثون لخصوصيتهم لأن مقدار ما وضعوه من معلومات قليل، وقدرتهم على إدارة «إعدادات الخصوصية» معقولة، وهم غالباً ليسوا ممن يشارك بصور كثيرة، أو خصوصيات شخصية أو عائلية، فضلاً – وهذا الأهم من وجهة نظري- أن عدد التطبيقات والبرامج التي يستخدمونها محدود جداً في حدود اثنين أو ثلاثة على أبعد تقدير. أيضاً الكثيرون – وأنا لست منهم – إما لا يعلمون، أو لا يتخيلون التأثير على المدى البعيد، أو يعلمون ويعرفون التأثير لكنهم لا يبالون، أو لا يستطيعون الفكاك من إدمانهم، والتصنيفات في هذا الشأن عديدة لكن هؤلاء أبرزهم. أصبح حال البشر مع هذه الشركات التي لا يحذرون منها أو يتعاملون معها بقدر يشبه حالات كثيرة يعرف البشر فيها الضرر ولا يتجنبونه، مثل علاقتهم بالبيئة أو بعض الأغذية والأشربة المضرة كمثالين واضحين ومهمين. الأخطر اليوم أن هذه الشركات تقدم اعترافات ذكية الصياغة، وهي مع الوقت ستخفف من المساءلة القانونية التي تنفّذها الحكومات، والمساءلات الإنسانية والأخلاقية من البشر، مستخدميها الذين يخدمونها أكثر مما تخدمهم. حقائق تعيسة للثقافة الإنسانية والاجتماعية، وربما سعيدة لثقافة الاستهلاك، وشرب «الحداثة السائلة»، وشركات تقنية جميعها تتشابه في الاستغلال، «لكن كل شركة نزيهة فهي نزيهة على طريقتها».

مشاركة :