كانت النروج، البلد الوحيد الذي قرر حظر سيارات البنزين والديزل بدءاً من عام 2025، على رغم أنها من أهم منتجي النفط في أوروبا، واليوم تنضم إليها ألمانيا، التي تطمح حكومتها ضمن برنامجها البيئي إلى رفع عدد السيارات الكهربائية في ألمانيا إلى مليون سيارة حتى سنة 2020، ووضعت مكافأة قدرها 5 آلاف يورو لكل فرد يشتري سيارة كهربائية (خضراء)، و 3 آلاف يورو للشركات التي تفعل. وقبل أيام أقر المجلس الاتحادي الألماني مقترحاً يقضي بحظر سيارات البنزين والديزل في المدن حتى عام 2030، وهو قرار أثار الجدل بين المؤيدين والمعارضين من مصنعي السيارات، وبخاصة أن ألمانيا من أهم مصنعي السيارات في العالم، ولا بد من أن يصل الطرفان ديموقراطياً إلى اتفاق، أو إلى قرار تتخذه الغالبية. لكل بلد متقدم رؤيته البعيدة المدى، ونحن اليوم في المنطقة الخليجية ننضم إلى ركب الناظرين إلى أفق أبعد، ونحلم برؤيتنا التي غالباً ما تتفق على تغييب النفط عن المشهد الاقتصادي، مصدراً أول للدخل، وما يترتب على ذلك من كل التفاصيل التي بدأنا نرى بعضها، وننتظر بعضها الآخر المقبل. هناك أمور سيئة وأخرى جيدة نجدها عند مطالعة رؤية الآخرين المستقبلية، فالمثالان أعلاه جيدان لجهة الحفاظ على البيئة وعلى كوكب الأرض، ثم هما جيدان لجهة أنها بمثابة أجراس توعية لمنتجي النفط في حال استمر اعتمادهم عليه، وبالطبع فإن السيء هو التأثيرات الاقتصادية المتوقعة في منتجي النفط، إذ ستتداعى الدول الأوروبية إلى اتباع خطى النروج وألمانيا. لا يمكننا انتقاد خطط الدولتين أعلاه لأنها تمثل موقفاً بيئياً واقتصادياً وحضارياً، ولا يمكننا إذا كنا صادقين وواقعيين أن نعجب به ونفرح له لأنه لا يتسق مع مصالحنا الاقتصادية، وبخاصة لو حلت التواريخ المستهدفة ونحن ما زلنا نعتمد على النفط، ولكن يمكننا السعي إلى الفرح به لو نجحنا في رؤيتنا أولاً، ثم استطعنا أن نكون دوماً على سدة سوق الطاقة العالمية، أياً كان نوعها. السعودية تعمل ومن قبل إعلان «رؤيتها» على خط مهم هو رفع كفاءة استهلاك الطاقة، وطبقت معايير صارمة على مصنّعي ومستوردي السيارات في واحد من أهم مشاريعها الإستراتيجية، التي شملت أيضاً كفاءة استهلاك الطاقة الكهربائية، التي لا يزال معظم توليدها يعتمد على الوقود والغاز، وعلى المدى البعيد ستحقق البلاد كثيراً من الوفرة في استهلاك الطاقتين. السيارات الكهربائية أو الهوائية أو أياً تكن هي جزء من تطور العالم، وهو تطور سيظل اختيارياً لفترة ما ثم يتحول هو أو أي خيار غيره إلى إجباري لأي سبب كان، وسيربح من يكون دوماً مستعداً. لا ألم، ولا ربح، ولكن ما يخيف الشعوب هو الصبر على الألم من دون تحقيق الربح، والآلام التي قد تصيب مصنعي سيارات البنزين والديزل في ألمانيا قد تتحول إلى أربح لأمتهم وللعالم، وقد لا تفعل، وما نريده هو أن نكون دوماً شركاء في الربح.
مشاركة :