تصدر قريبا عن سلسلة إبداعات عالمية ترجمة لرواية «الوردة الزرقاء- The Blue Flower» للروائية الانكليزية بينلوبي فيتزجرالد Penelope) Fitzgerald 1916-2000)، الحائزة في العام 1979، على جائزة البوكر عن روايتها الشهيرة Offshore. كانت فيتزجرالد قد صُنفت في مصاف «أهم 50 كاتبا بريطانيا للرواية، خلال القرن 20، وتحديدا منذ العام 1945»، وذلك بحسب دراسة ميدانية نشرتها في العام 2008 صحيفة التايمز، وبدأت العمل على تحفتها الأهم الوردة الزرقاء في العام 1991، واستغرقت أربع سنوات في كتابتها، حيث نشرتها في العام 1995، عندما كان عمرها يناهز الــ 78 عاما. ابتدعت فيتزجرالد أحداث وشخصيات الوردة الزرقاء من بنات أفكارها، مشيرة في مقدمة روايتها إلى أنه بعيداً عن انحيازات المكان والظرف والانتماء، فإن «جميع الأسماء والشخصيات والأماكن، والوقائع، انحدرت إما من وحي خيال الكاتبة، أو أنها استخدمتها بطريقة وهمية» ككتابة ذاتية مأزومة، لكن الرواية تتحدث تاريخياً على الرغم مما سبق، وبشكل جلي وغير مضمر، عن شاعر القرن الـ 18 الفيلسوف الألماني نوفاليس Novalis 1772- 1801 وحبه الجنوني لمن صورتها فيتزجرالد صبية صغيرة من أسرة عادية إلى حد ما، تبلغ من العمر 12 عاما.كما وتظهر في الرواية شخصيات تاريخية أخرى، كان في مقدمها الشاعر الألماني جوته، والفيلسوف كارل ويلهلم، مستمزجة فيتزجيرالد الماضي بالواقع الذي يمكننا بالكاد الإحساس فيه، ومتتبعة السنوات الدراماتيكية الأولى من حياة شاب ألماني، يصبح لاحقاً الشاعر الرومانسي والفيلسوف الكبير نوفاليس. وفي نداء غير منطوق، يستحق الظفر بكل الدعم من وجهة نظرها، حول الحرية الاجتماعية والجنسية، التي يكون الفرد فيها مسيطرا على ذاته، تصور الوردة الزرقاء أيضا أُسر، وتاريخ، وأفكار المحافظات الألمانية في أواخر القرن الـ 18، في الفترة التي كان فيها نوفاليس شابا، وذلك في ذات الزمان الذي راحت تشيع فيه المدرسة الرومانسية الناشئة، وتنتقد الرواية، التي نالت شهادة إعجاب دولية حينما فازت بجائزة النقاد الأميركيين، مجتمع شرطة الآداب الذي ساد في أوروبا القرن 18، ومدعو الدفاع عن المجتمع والمحافظة عليه، مخلقين من وجهة نظرها، وضع اجتماعي مشوه يحاول مطاردة مشاعر الإنسان، وكبت إشراقة الحب فيه. ويأتي السرد في صنعة كتابية، وقالب أدبي خال من الوعظية، ومليء بالحذق السرداني التصويري والمهارة في التركيب والتقديم ومناورة التأخير.تدور أحداث الوردة الزرقاء عن الشباب، والأمل، والمثالية، والخيال، وتبدو قصتها مليئة بالآلام، وعلى الرغم من اتسام روحها بالدعابة في كثير من الأحيان، فإنها مليئة بمشاعر الخيبة، والأمل والخسران؛ حيث تمتاز الرواية بأنها تتعاطى مع مواضيع جادة، بشكل ساخر، مع الاحتفاظ بجانب الجدية، وتبقي فيتزجرالد على النمط جاد في الموضوع، لكنها تصور الأحداث أحياناً بطريقة هزلية، بما فيها المروعة منها كما أسلفنا؛ إنها تخوض تجربة مغايرة في ألمانيا أواخر ق 18، وفريتز العاطفي، المثالي والمتألق يحتاج إلى الإذن من والده ليعلن خطوبته على صوفي ذات الإثني عشر ربيعاً، واصفاً إياها بــ «قلب قلبه»، و«فلسفته الحقيقية»؛ إنها خطوبة تسلي، تدهش وتزعج عائلته وأصدقاءه، فكيف يمكن أن تكون كذلك؟ وربما كمنت عبقرية فيتزجرالد في أنها كتبت التاريخ في الوردة الزرقاء، كعمل إبداعي متمرد على كل القواعد، ومن دون أولويات وأركان أدبية سائدة أياً كانت؛ منجليا الشعور السابق بين المكامن الذاتية لأحداث هذه الرواية، وتلك الشخصيات البطلة المرددة لنداء الحرية والانعتاق، في مواجهة خصمائهم الضديين، الذين يشعون لا موضوعية، وتقدم فيتزجرالد حكايتها وفق منظور الحد الأدنى من التفسير؛ إذ أنها تجبرنا على متابعة الأحداث بشغف، منذ اللحظة الأولى التي يسرد فيها شابان يسيران في باحة منزل العائلة همومها في يوم الغسيل (اليوم الأسبوعي المخصص لغسيل أسرة الملابس والأغطية في المجتمع البريطاني)، على وقع تساقط الأغطية والملابس الخاصة بالأسرة وتطايرها في الهواء الطلق.ولكل ما سبق وأكثر، فقد فازت الوردة الزرقاء كما بينا، في العام 1997، بالجائزة الأميركية لنقاد الكتاب الوطني National Book Critics Circle Award، والذين اعتبروها تحفة أعمال فيتزجرالد، لدرجة أنه تم تكييفها درامياً في العام 1999 لراديو BBC، بفضل تسللها إلى قلاع التاريخ، مولدة ومانحة أكسير الحياة للرواية، من وحي إبداع القلم.لقد نالت فيتزجرالد في العام 1999 شرف منحها جائزة الــ Golden PEN Award نظير «خدماتها المتميزة مدى الحياة للأدب»، وبعد أن فازت الرواية بجائزة النقاد الأميركيين، ونيلها شهادة إعجاب دولية، كان الكل بانتظار المزيد من مدادها، إلا أنها توفيت في العام 2000، عن عمر يناهز الــ 83... توفيت لكن أعمالها ما زالت خالدة، وستخلدها عربيا سلسلة إبداعات عالمية عبر ترجمة هذا العمل.. * أستاذ النقد والأدب aliali2222@hotmail.com
مشاركة :