منذ التداعيات السلبية للفتنة الكبرى، لم تشهد الساحة الإسلامية موجة تكفيرية عنيفة مذكية للفتنة، كالتي نعيشها هذه الأيام. فهل يعني ما سبق، أننا كعرب جميعاً، لم نكن جادين في مواجهة التطرف، ولم نتعمق في فهم واقعنا الاجتماعي والثقافي، وأثر الأصولية عليه، متوهمين بأن التحولات الإيجابية آتية؟من دون أن ننساق في إطلاق الأحكام التي تقلل من الجهود التي بذلت على هذا الصعيد، دعونا نتساءل، في ما يتعلق بالفكر التكفيري: ما مدى الجدية التي واجهنا فيها جنوح الفكر المتطرف؟ باعتقادي الشخصي، أن العرب عامة لم يبذلوا مجهودا كافيا، لمواجهة هذا الفكر الزائغ، بل إن بعض مفكرينا- ممن توقعنا أن يُنَظِّروا لطرق وآليات اضمحلال الفكر المُتكبر- راحوا يهرولون وراءه، ووجدناهم يتعاطفون مع مريديه. ولا أعرف سببا محددا لهذا التعاطف، رغم أنه يبدو أن لديهم- هؤلاء المتعاطفين- اعتقادا أخرق بأن هذا الفكر يستطيع أن يحقق أحلاما ساذجة بالعودة إلى زمان الخلافة والفتوحات و«التمكين في الأرض»، متناسين أنهم بذلك يلصقون بالإسلام تهمة معيبة لطالما رددها المستشرقون؛ من أن الإسلام انتشر بحد السيف و«حز الرقاب». وهكذا إذاً، فإن «الهرولة» والاعتقادات الزائفة السابقة البيان، تنبع لدى البعض – من وجهة نظري المتواضعة – من ظنهم بأن لــ «التكفير» طاقة كامنة، قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، غافلين أو متغافلين بسادية عمياء، عن أنه المصدر الرئيس لــ حفلات الدماء المأسوية، التي مر به المسلمون منذ صدر الإسلام وحتى اليوم.وبرأيي، أنه لا يكفي لكي نواجه التطرف، ونكون متحملين لمسؤولياتنا، أن نكتفي بدعم من يتناولون الدين بشكل عقلاني، معتقدين بكفاية ذلك، حيث ثبت بالتجربة أن هذا الأسلوب لم يكن كافيا لتحجيم الفكر الضائع، الذي أصبح كالمارد، في هذا الجزء المشتعل من العالم...لقد عاد الفكر التكفيري إلى جزيرة العرب، منذ بداية الثمانينات، كموجة فظيعة، يملؤها الحقد، وتلطخت أيدي المريدين من ضيقي الأفق، بدماء الأبرياء.والمطلوب حقيقة في ضوء ذلك، هو عدم التعامل- في كل أرجاء جزيرة العرب- مع مروجي الفكر الدموي، على أساس أنهم «انحرافات عابرة»، وذلك ابتداء من تقييد حركة المؤيدين- بكل الوسائل المتاحة- حتى يثوبوا إلى رشدهم يقيناً، ثم مواجهة الفكر المتطرف من جذوره، عبر تعزيز مدنية الدولة وحقوق المواطنة المكفولة للجميع، لا عبر الرسائل التقليدية لمن يعرفون بــ «رجال الدين المتنورين»!يجب أن نتناول الدين تناولا عقلانيا، ونعلن قطيعتنا بوعي وشمول مع الماضي، وما التقدم والازدهار، الذي تحياه المجتمعات المدنية، في كل صقع من أصقاع العالم الأول، إلا أبلغ دليل على الكثير الذي نستطيع أن ننجزه بكثير من الوعي وقليل من الدهاء. إنه لمن المؤكد في ما يتعلق بالفكر التكفيري، أن هذه القضية تحتاج إلى نقاش مستفيض سنعود إليه لاحقاً، لكننا مطالبون من هذا المنبر، أن نعرب عن خالص التعازي والمواساة إلى أهالي ضحايا الحادث الإرهابي الذي وقع في مسجد الإمام الصادق عليه السلام، وأودى بحياة أشخاص أبرياء، متمنين الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للمصابين، وأن يلهم المولى عز وجل أسر الضحايا الصبر والسلوان... وآخر دعوانا للمولى عز وجل، أن يحفظ وطننا الكويت من كيد المتربصين. * أستاذ النقد والأدب aliali2222@hotmail.com
مشاركة :