من محاسن الصدف | محمد بشير كردي

  • 5/15/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- في ماربيا عام 1990، ويومها كان أميرًا لمنطقة الرياض، مع العلاّمة الدكتور محمد أسد الذي كنتُ حظيظًا بحضوره، أضاف إلى معرفتي الشيء الكثير عن أيام ولادة المملكة، وحنكة ودهاء مؤسسها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وفي السيرة الذاتية التي حملت عنوان (الطريق إلى مكة) الكثير من الأمور والأحداث التي وثّقها المؤلّف عن المملكة، وتاريخ نشأتها، والمهمّات التي أوكلها إليه الملك عبدالعزيز، وبدايتها كانت في عام 1929 عندما طلبه -يرحمه الله- للمقابلة في الرياض، وكانت أمامه كومة من الصحف العربية، وفي يده صحيفة مصرية تتصدّر صفحتها الأولى مشكلات الحدود مع العراق، أثنى المؤسس -طيب الله ثراه- في بداية اللقاء على تقارير محمد أسد الصحافيّة، ومن ثم قال له: (أريد يا ولدي منك أن تقف بنفسك على مصادر بنادقهم وأموالهم، وإني على ثقةٍ من معلوماتي، لكنني أحبُّ تأكيدها من شخص مثلك، لا علاقة له مباشرة بالأمر، أن يخبر العالم بالحقيقة)، وكان القصد التحرّي عن المجموعات المتشددة من قبائل البادية والمسمّاة بـ»تشكيلات الإخوان»، الذين شقوا عصا الطاعة، ووقعت بين الملك عبدالعزيز وبينهم معركة «السبلة» عام 1928، وكانت جعبة الضيف مملوءة بالكثير من القصص والروايات التي سمع بها، ولم يَرِد ذكرها في السيرة الذاتية، أو وردت بشكل مختلف يتطلب التوضيح، واستمر التحاور لعدة ساعات، أحسست وقتها بثراء اللقاء الذي يغني عن قراءة مكتبة متخصصة، قد كان بودّي لو سُجّل هذا اللقاء ليكون من بعدُ فيلمًا وثائقيًّا عن بدايات نشأة مملكتنا الفتية، كم كان رائعًا أن ترى من يضيف على حواشي كتاب (الطريق إلى مكة)، ويسجل في الوريقات التي كانت تحمل الأسئلة ما وضح له من الوقائع والأحداث، وكم كانت رائعة تلك الحنكة في إدارة اللقاء، وانتهى اللقاء بكل الودّ والمحبة والتقدير لشخصية من أبرز الشخصيات ذات الحضور الفاعل والأكثر تأثيرًا في القرن العشرين، شخصية العلاّمة المستشرق؛ النمساوي الأصل، الذي وُلد في أسرة يهودية متعصبة سنة 1900م في بلدة (ليفو) النمساوية، واعتنق الإسلام سنة 1926 فتسمّى بمحمد أسد.. ثم تنقل في الفترة (1922- 1926م) بين أوروبا وبلاد الشام والعراق وفلسطين ومصر، والذي كان يزود الصحف الأوروبية بمقالات عن هذه الدول، ممّا دفع رئيس تحرير جريدة (فرانكفورتر زايتونج) لأن يشجعه للعودة للمنطقة، وتزويد الجريدة بمقالاته وتقاريره التوثيقية التي تعتمد على البحث والاستقصاء، وهو ما يتناسب وتوجه الجريدة التحريري بين الصحف الألمانية. لقد كان في الظاهر حثٌّ من رئيس تحرير جريدة لصحفي مثله آنذاك قليل، لكن الحقيقة أنها تقديرات السماء التي كانت تهيئ للإسلام رجلاً فذًّا وعالمًا فردًا، حيث كانت البداية في المملكة، والتقى وقتها بالملك عبدالعزيز وكسب ثقته سنة 1927م واتخذ من المدينة المنورة مقرًا لإقامته، وكان -رحمه الله- قد تهيّأ له التجول في ربوع البلاد مدة ست سنوات (1927- 1933م) قبل إعلان توحيد المملكة.

مشاركة :