أشرقت شمس يوم الحادي والعشرين من شهر مارس على مدريد؛ مُعلنة بدفئها وسمائها الزرقاء الصافية ونسيمها العليل دخول فصل الربيع، وعودة الحياة إلى تربة الأرض، لتنبت مُجدَّدًا الورود والزهور والرياحين والبقول والخضروات والفواكه، وتُعيد فرحة الأمل للمزارعين بموسم خير كريم، والسعادة والهناء لعشاق الطبيعة. هو يوم خير للعديد من شعوب العالم؛ قديمًا وحتَّى اليوم، امتدادًا من وادي النيل (شمُّ النسيم)، إلى غرب القارَّة الآسيويَّة (نَيروز) وشرقها منذ الأزل. يحلُّ هذا العام على عدد من شعوب غرب البحر الأبيض المتوسِّط مثلما مرَّ في عشرات السنين التي مضت، والفتن والاقتتال الطائفي والعرقي فيها على أشدِّه، وهي من أعرق بلدان العالم حضارةً وتراثًا، كما هو عليه الحال في سورية والعراق وكذا اليمن «السعيد»، تيمنًّا وتفاؤلًا بأن يعمَّ السلام ربوعه. لا يفوت المتابع لما «يطبخه» الكبار من قادة الشرق والغرب الذين جعلوا منطقتنا حقل تجارب، وجعلوها لوح شطرنج يُحرِّكون بيادقها كما يحلو لهم، من قتل جنود وهدم قلاع، مُصمَّمين على إنهاء اتفاقيَّة سايكس بيكو التي وقّعها وزيرا خارجيَّة بريطانيا العُظمى وفرنسا قبل قرن من الزمن، ورسم خريطة جديدة يحظى اللاعبان الرئيسان بحصّة «الأسد» من ثروات المنطقة بعد أن سبق وعقدا العزم على قيام دولة الصهاينة في فلسطين لتنوب عنهما بمهمَّة المُنسِّق ومُوزِّع الأدوار بما يُؤمِّن بقاءها ومصلحة اللاعبين الكبار. ويبدو أنَّه لابدَّ من تجزئة البلدان المجاورة لفلسطين إلى دول صغيرة المساحة أسوة بالدولة الفلسطينية التي يسيطر عليها الصهاينة أو أقل ب»كانتونات» مُنهَكة القوى وشحيحة الموارد، يكون اعتمادها في تدبير لقمة عيش سكانها، والبقاء على قيد الحياة مرهونًا بقبولها صاغرة بالأمر الواقع، أي تجزئة المجزَّأ الذي رسمته معاهدة سايكس بيكو. وهو ما نسمع صداه اليوم في شمال سورية وفي العراق وربما في لبنان إذا بقي حزب حسن نصرالله في لبنان سالبًا الجمهوريَّة اللبنانيَّة من مقوِّمات وجودها الدستوري، ومشاركاً رئيسًا في الفتن والقتل والتدمير في سورية والعراق واليمن. الأمل معقود على تعاون مُحبِّي السلام والاستقرار في المنطقة وعلى رأسها المملكة لقطع دابر الفئات المتمرِّدة التي باعت ضميرها لإنجاح مُخطط التجزئة والتقسيم الذي ينفِّذه العديد من الفِرَق الضَّالة المضللة بإثارة الفتن وتحليل ما حَّرمه الله من سفك دماء وهتك أعراض وقلاقل واضطرابات، وآخرها ذلك العدوان الهمجي على مطار ومترو بروكسل الذي راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى، وشل حركة عاصمة الاتحاد الأوربي وضيق سبل الحياة فيها.. ومع ذلك لا حياة مع اليأس، فمع إشراقة شمس الربيع، يظلُّ الأمل قائم برجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه، وهم والحمد لله كُثر في مملكة أعزَّها الله بولاة أمر يتمثَّل عليهم القول في بيتِ شعرٍ لشوقي يقول: مَا لِي وَللشَّمْسِ أَخْشَاهَا وأرقُبُهَا مَنْ كَانَ فِي ظِلِّهِ فَالشَمْسُ تَخِشَاهُ!
مشاركة :