< «الترقيص» مصطلح شعبي كروي بمعظم المحكيات العربية، ينتشر بكثرة في الحجاز، ومعناه إما مداعبة الكرة حتى تبدو وكأنها ترقص على أنغام موسيقية لا يسمعها إلا من يداعبها، وإما – وهذا الأكثر انتشاراً – أن يكون اللاعب الماهر قادراً على مراوغة الخصوم وتجاوزهم بعد أن يجعلهم يميلون يمنة ويسرة، فكأنه سخر منهم وجعلهم يرقصون، وهو يكاد يختفي من الملاعب السعودية، وكان أبرز نجومه الثنيان، والغشيان، وقبلهما الأسطورة ماجد عبدالله. المصطلح نفسه يستخدم في اللعب بعقل أو تفكير أو سلوك شخص ما، يقال فلان «يرقّص» فلان أي أنه يتمايل بأفكاره، وإلى حد ما يقابله في المحكية النجدية قولهم «خَفّ به» أي أنه استخف برزانته عبر معلومات أو أسئلة جعلته ينفعل، ويطلقون في الرياض تحديداً على من يمكن الاستخفاف به بسهولة «مهف» ولعلها أتت من «المهفة» أي المروحة اليدوية التقليدية المصنوعة من سعف النخيل والتي يسهل التحكم بها. خطر في بالي المصطلح أعلاه بعد أن لفتني موضوع صغير تم فيه «ترقيص» كثير من السعوديات، وهو موضوع له دلالاته الاجتماعية والثقافية، إذ نشرت إحدى الأخوات الشاميات مقطع فيديو يعرض أطباقاً من المأكولات تدعي أنها من صنع يديها، وتختم بالقول بلهجتها «اللي بياخد سورية بيضل طول عمره هني»، فتداعت النساء وخصوصاً السعوديات من كل حدب وصوب ومن معظم القبائل لنشر مقاطع عن أطباق كان نصفها زائفاً وجاهزاً، ويختمن بمقولة تشبه مقولتها، ولكن يضعن اسم القبيلة أو العائلة التي سيموت الرجل – السعودي غالباً – من الجوع إذا لم يتزوج منها! حسناً هذا يسجل نجاحاً معقولاً للرجل الذي كرّس في ذهن نسبة غير يسيرة من النساء أن الرومانسية تبدأ من المطبخ، لينضم إلى صاحبه الذي كرس أنها تبدأ من الفراش، ليتمحور الاهتمام غالباً بهذين الجانبين، وليصبح اهتماماً مرضياً عند بعضهن لدرجة أن امرأة ذكية انتبهت وأعدت ما أسمته «سلة الفطور الرومانسي»، وتبيعها عبر الإنترنت بمبلغ يعادل سعر الإفطار في «سافوي» لندن أو «ارماني» دبي لمجرد أنها جعلتها حمراء في كل شيء تقريباً، على رغم أنها تشمل الفول و«الشكشوكة»، ولا أعرف كيف يتسق الفول مع عشق وغرام وتحليق حالم. والغريب أن التفكير «العالمي» يضع الرجل الذي يطبخ في مرتبة رومانسية أعلى، بينما «المحلي» لا يزال يمجد الطبّاخة النفّاخة في الظاهر، وفي الباطن هو يعرف أين يجد رومانسيته غير المدعاة. لتعترف المرأة السعودية – إلا من رحم ربي رجلها وبيئتها – أنها مهووسة بالطعام، وهي تذهب لمكان العمل تحمل أطباق الطعام والحلو والمالح و«ترامس» الشاي والقهوة، وكنت أحسب ذلك حكراً على فئات وشرائح معينة حتى أفادني أحد الثقات أن حتى بعض الطبيبات يفعلن ذلك. أدلل على ذلك بأن معظم مشاريع الأسر منتجة تنتج وتبيع الطعام، ومعظم حسابات التجارة الإلكترونية لهن تطبخ وتوصل الطعام، فهل هو كما يقول بعض علماء النفس من كثرة الاكتئاب و«الحلطمة» التي يشيعها الرجال فيهن؟.. ربما. mohamdalyami@
مشاركة :