شهد القطاع المالي والمصرفي بمملكة البحرين خلال السنوات الثلاث الماضية مبادرات عديدة لمواكبة ثورة التكنولوجيا المالية التي يشهدها العالم، وقد كان خلف ذلك فاعلان مؤسسيان رئيسيان، كانا ومازالا بمثابة القوة الرافعة للنهوض بالقطاع المالي والمصرفي، وأقصد بذلك مصرف البحرين المركزي، وجمعية مصارف البحرين. ومن خلال سلسلة من المقالات نحاول تسليط الضوء على مبادرات بنوك البحرين التجارية التقليدية والإسلامية لمواكبة تطورات التكنولوجيا المالية، بعد ان نستعرض جهود ومبادرات مصرف البحرين المركزي وجمعية مصارف البحرين لإيجاد البيئة الحافزة لتبني خيار التكنولوجيا المالية. فقد ادرك مصرف البحرين المركزي مبكرا أن الهدف من التكنولوجيا المالية ليس تحقيق الشمول المالي فحسب، انما الارتقاء بالنظام المالي والمصرفي في البلاد، وإتاحة التمويل لصغار المقترضين من المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر ودعم المبتكرين، وتمكينهم من تنفيذ مشروعاتهم بنجاح ومن دون عوائق، ليسهموا في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وذلك لا يتحقق من دون تطوير النظم والتشريعات والرقابة المصرفية لإيجاد بيئة تنظيمية مؤسسية وتشريعية ملائمة، وتوطين شركات التكنولوجيا المالية وإرساء قواعد التعاون بينها وبين البنوك والقطاعين العام والخاص، ولا سيما ان مملكة البحرين تعد المركز المالي والمصرفي الأول في الشرق الاوسط. ففي 29 مارس 2017م استضافت مملكة البحرين منتدى التقنية المالية (فينتك) الأول لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا الذي نظمته شركة الخدمات المالية العربية في البحرين تحت رعاية مصرف البحرين المركزي وبدعم من مجلس التنمية الاقتصادية، وبنك ABC، وقد أكد المنتدى أهمية التكنولوجيا المالية وضرورة قيام البنوك بتبني حلول تكنولوجية مالية مبتكرة من أجل توفير خدمة أفضل للعملاء. ودعا المنتدى البنوك في البحرين إلى اقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا المالية، وأوضح الأهمية البالغة للآثار المترتبة على استخدام التقنية الحديثة على أعمال البنوك والقطاع المالي عموما. وبدعم من مصرف البحرين المركزي تم تأسيس مركز الخليج للتكنولوجيا المالية عام 2018م، الذي يمثل أكبر مركز متخصص للتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويضم في الوقت الحاضر اكثر من (54) شركة، من (11) دولة، تقدم خدمات التكنولوجيا المالية بطريقة أو بأخرى، منها شركات من السعودية والإمارات والكويت، وأمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا، وشركة من إفريقيا، بالإضافة إلى الشركات البحرينية. ويتيح خليج البحرين للتكنولوجيا المالية الفرصة لتطوير وتسريع ونمو شركات التكنولوجيا المالية، فضلا عن تحفيز ودعم التعاون بين المستثمرين ورواد الأعمال، والجهات الحكومية والمؤسسات المالية لاعتماد منتجات التكنولوجيا المالية، والاستفادة من فرصها التنموية. وواصل مصرف البحرين المركزي طوال عامي 2018 و2019 جهوده في إرساء قواعد البنية التنظيمية والتشريعية للتكنولوجيا المالية، وإطلاق وحدة خاصة بالتكنولوجيا المالية، وبيئة تجريبية رقابية لاختبار حلول التكنولوجيا المالية، تسمح لشركات التكنولوجيا المالية والمؤسسات المالية التي تركز على الطابع الرقمي في جميع أنحاء العالم باختبار وتجربة أفكارهم وحلولهم المصرفية في البحرين، بما يضمن دعم القطاع المالي لتبني خدمات التكنولوجيا المالية، وتنظيم ورعاية العديد من الورش والملتقيات التعريفية والتدريبية والتنظيمية حول التكنولوجيا المالية، داعيا ومشددا على البنوك بضرورة اعتمادها كخيار وجوبي للتطور والنمو في سوق مالية وتقنية شديدة المنافسة. ففي الرابع من شهر مارس 2018 اطلق مصرف البحرين المركزي وشركة (بيهايف)، منصة (بيهايف) للتمويل الجماعي القائم على الإقراض، بدعم وتوجيه من مجلس التنمية الاقتصادية، والتي ستفتح أمام المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البحرين سبل تمويل جديدة، وتساعد في تعزيز الابتكار وطنيا وإقليميا، ويعد ذلك إنجازا مهمًّا في مجال توفير مزيج من السياسات والمنتجات لتطوير وتحسين الجودة وزيادة القدرة التنافسية للخدمات في القطاع المالي في المملكة. وقد حرص مصرف البحرين المركزي على توجيه القطاع المالي والمصرفي في البحرين إلى التعاون مع الشركات الناشئة في التكنولوجيا المالية والاستفادة من تقنياتها المعاصرة واعتماد الانظمة الرقمية في جميع معاملاتها، بما في ذلك قابلية التحرّك وإنترنت الأشياء، لدعم نموّ القطاع المالي والمصرفي. كما لعب المصرف دورا مهمًّا في تأسيس أول مركز للتكنولوجيا المالية الإسلامية والتنمية المستدامة في عام 2018 م الذي سمي بـ«المركز العالمي للتكنولوجيا المالية الإسلامية والمستدامة»، حيث يسعى من خلال هذا المركز إلى تسليط الضوء على كيفية تسريع نمو المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية بطريقة مستدامة ومسؤولة عن طريق استخدام التكنولوجيا المالية، خاصة ان البحرين مركز رائد في الخدمات المالية والمصرفية الإسلامية. كما ان بإمكان النظام الرقابي للتكنولوجيا المالية والصيرفة الإسلامية في البحرين دعم المشاريع الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية الإسلامية والمستدامة في المنطقة والخارج مما سيساهم في تعزيز مكانة البحرين كمركز عالمي في التكنولوجيا الإسلامية والمستدامة. وفي الخامس عشر من شهر اغسطس 2019 أصدر مصرف البحرين المركزي التوجيهات النهائية الخاصة بوسطاء التأمين عبر المنصات الإلكترونية والتي تهدف إلى تطوير تكنولوجيا التأمين «Insure-Tech» وبذلك يكون مصرف البحرين المركزي ضمن البنوك المركزية القليلة التي أصدرت توجيهات تتعلق بوسطاء التأمين عبر المنصات الإلكترونية، مما يعزز من مكانة البحرين كمركز إقليمي رائد للتكنولوجيا المالية «FINTECH». ولأهمية التشريعات المصرفية في خلق البيئة التنظيمية المواتية لتوطين شركات التكنولوجيا المالية قام مصرف البحرين المركزي بإصدار سبعة تشريعات متعلقة بالتكنولوجيا المالية آخرها كانت التشريعات المتعلقة بالأصول المشفرة، والتشريعات المتعلقة بـ«الاستشارات الإلكترونية»، ليضاف إلى ما تم تحقيقه من تعديلات عديدة على التشريعات المالية والمصرفية، أهمها التعديل الخاص بالحوسبة السحابية، حيث إن البحرين أول دولة في المنطقة سمحت للمؤسسات المالية بأن تستخدم الحوسبة السحابية بشكل كامل. وللموضوع بقية في مقال قادم ان شاء الله.{ أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :