في أول تقريرٍ صادرٍ عن مركزِ الاستشراف التقني بمدينة الملك عبدالعزيز للتقنية بالمملكة العربية السعودية حمل عنوان: آفاق التقنيات المستقبلية للمملكة العربية السعودية، صدر مطلع عام 2021. وتناول استشرافا مركزا للأعوام الخمسة إلى العشرة القادمة، معتمدا على تحليل ثلاثي المراحل ومتعدد الأبعاد لتحديد المجالات التقنية الواعدة للمملكة، أظهر اهتمام حكومة المملكة بالدور الحيوي الذي تلعبه التكنولوجيا في عالمنا الحالي، وتنامي هذه الأهمية في المستقبل لا سيما مع التطور المتسارع للتكنولوجيا وتطبيقاتها للحد من التحديات التي يواجها العالم، مسترشدا بتوجهات رؤية المملكة العربية السعودية 2030. وحيث إن التكنولوجيا المالية واحدة من أكثر وأسرع التقنيات تأثيرا على الاقتصاد والمجتمع، فقد أولتها الحكومة السعودية اهتماما كبيرا، وعدتها رؤية المملكة 2030 جزءا رئيسيا من برنامج تطوير القطاع المالي في البلاد، وإنفاذا لها أطلق البنك المركزي السعودي مبادرة «فنتك السعودية» في شهر أبريل 2018، بهدف تحويل المملكة إلى مركز للتكنولوجيا المالية، في إطار قطاع خدمات مالية متنوع وفعال لدعم تنمية الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر دخله، وتحفيز المدخرات، والتمويل، والاستثمار. وبعد مرور عام على ذلك (في أبريل 2019) تم تأسيس مركز فنتك السعودية في مركز الملك عبد الله المالي. ثم توالت الإنجازات على الصعد التشريعية والمؤسسية والإشرافية خلال فترة وجيزة. وقد كان التقـدم التقني والطلـب المتغيـر على المنتجات المالية، والمنافسة في قطاع تقديم الخدمـات الماليـة، بالإضافة إلى دعم الجهات التنظيمية، هي العوامل الرئيسـة التي أسهمت في النجاحات المتحققة بقطاع التكنولوجيا المالية في المملكة، وظهور عشرات الشـركات المالية الناشـئة بنمطيها التقليدي والإسلامي. وأوضح تقرير حديث لموقع The FinTech Times، المختص بأخبار وتقارير التكنولوجيا المالية حول العالم، أن من المرجح أن تلعب التكنولوجيا المالية دورا فريدا في الاقتصاد السعودي عام 2021، وذلك على الرغم من أن جائحة كورونا ستظل تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، كما أن من المتوقع أن تستمر المملكة في إنجاز المزيد من مشاريع تحسين نظامها البيئي من خلال استراتيجيتها الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي التي تم إطلاقها مطلع عام 2021. وتوقع التقرير أن يشهد عام 2021 وجود المزيد من الأطر التنظيمية ومشاريع العملات المشفرة وغيرها من المبادرات لتعزيز النظام البيئي للبنية التحتية للتكنولوجيا المالية، خاصة وأن التكنولوجيا المالية أصبحت واحدة من الأعمدة الرئيسة في بيئة ريادة الأعمال والابتكار، وتأسيس فهم شامل لها على مستوى المملكة باعتبارها أحدث المستجدات في القطاع المالي والمصرفي، مع الحرص على انسجامها وتوافقها مع متطلبات بيئة الأعمال المالية والمصرفية الإسلامية، وإنشاء منتجات وخدمات «فنتك» لدعم مشاريع الأعمال، واتباع أساليب تضمن توظيفها لصالح المجتمع والاقتصاد، مع مراعاة حماية المستهلكين والنظام المالي القائم. وقد لعب البنك المركزي السعودي (ساما)، وهيئة سوق المال دورا رياديا مميزا في دعم وتطوير وتوطين صناعة التكنولوجيا المالية، وصولا إلى تعزيز الموقع المالي والمصرفي الإقليمي والعالمي للمملكة، وتسهيل إمكانية حصول المستهلكين على قدر مرتفع ومميز ومتنوع من العديد من الخدمات في مجال المدفوعات والإقراض والتأمين والادخار والاستثمار وإدارة الثروات وغيرها، بسرعة وأمان وتكلفة أقل، وأعلن البنك المركزي السعودي في سبتمبر 2020 أنه قد تم تجاوز هدف المعاملات غير النقدية في البلاد بنسبة 28% بحلول نهاية عام 2020. فيما أوضح التقرير السنوي الثاني لفنتك السعودية 2020م ما تم إحــرازه من تقــدم كبيــر فــي قطــاع المدفوعــات كإطــلاق خدمــة Apple Pay وإنشــاء العديد من شركات التكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى وضع اللوائح الخاصة بقطــاع المدفوعــات. وقد ارتفعــت عمليــات الدفع بواسـطة الهواتف الذكية في المملكة بنســبة 352% لتبلغ (7.19) ملايين عمليــة فــي شهر أبريــل مــن عــام 2020م، بعـد أن كانـت تعـادل (4.4) ملايين عملية فـي شهر أبريـل 2019م، و مــن المتوقــع أن تتجاوز قيم المعاملات فــي سـوق التكنولوجيا المالية في المملكة (33) مليــار دولار أمريكي. كما واصل البنك المركزي السعودي وهيئة السـوق المالية جهودهـما فـي إصدار تراخيص البيئــة التجريبيــة التنظيميــة ووضــع اللوائــح الإلزامية لدعــم أنشــطة التكنولوجيا الماليـة، وأطلقـت فنتـك السـعودية عـددا مـن المبـادرات لدعـم مجـال التكنولوجيا الماليـة، بمـا فـي ذلـك دليـل قطـاع التقنيــة الماليــة وبوابــة التوظيــف لدعــم شــركات التقنيــة الماليــة، وأداة تقييـم المســار التشــريعي والتــي تــم تصميمهــا بهـدف مسـاعدة شـركات التكنولوجيا الماليـة علـى فهـم المسـارات التشـريعية للأنشـطة بشـكل أفضـل، بالإضافة إلـى مبـادرة دعـم أبحـاث التقنيـة الماليـة لدعـم الابتـكار القائـم علـى البيانـات فـي مجـال التقنيـة الماليـة. كما استخدم البنك المركزي السعودي تقنية سلسلة الكتل (Blockchain) لإيداع جزء من السيولة التي يضخها في القطاع المصرفي، علما بأنه من أوائل البنوك المركزية التي بادرت بتجربة استخدام تقنية سلسلة الكتل في الحوالات المالية والتي تعد إحدى المبادرات الابتكارية التي أطلقها البنك، ضمن مساعيه الهادفة إلى تمكين وتطوير التقنيات المالية في المملكة. وتتطلع المملكة العربية السعودية إلى أن يكون عام 2021م مثمرا في مجال التكنولوجيا المالية، فيما تشير التوقعات إلى أن سوق التكنولوجيا المالية في المملكة العربية السعودية في عام 2023م سيصل إلى قيم معاملات تزيد عن (123) مليار ريال سعودي، نحو (33) مليار دولار أمريكي. وعموما فإنه من المتوقع أن يشهد عام 2021 المزيد من التعاون بين المصارف والمؤسسات المالية السعودية من جانب وشركات التكنولوجيا المالية من جانب آخر للوصول إلى عملاء جدد والتفاعل مع العملاء الحاليين عبر قنوات تقنية جديدة، وبإشراف وتوجيه فعال من البنك المركزي السعودي. } أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :