تعبيرا عن ادراك البنوك المركزية لأهمية التكنولوجيا المالية، قامت من خلال بنك التسويات الدولية الذي هو مؤسسة مالية دولية تضم نحو (60) بنكا مركزيا، وتأسست عام 1930 في بازل في سويسرا، كمظلة للبنوك المركزية في العالم، قامت في شهر يونيو عام 2019 بإنشاء مركز ابتكار، الذي تتوزع مقراته في بازل، وهونج كونج وسنغافورة، ولتعمل من خلاله البنوك المركزية وتتعاون على نحو أوثق في التعامل مع مستجدات التكنولوجيا المالية، وبما يؤدي الى تحسين أداء النظام المالي العالمي ومعرفة وتطوير الرؤى السائدة في مجال التكنولوجيا المالية التي تؤثر في عمل البنوك المركزية. وقد اكد البنك على ضرورة ان تتنبه دول العالم الى مجالات تغلغل شركات التكنولوجيا العملاقة إلى القطاع المالي وما يمكن ان يثيره ذلك من قضايا مثل خصوصية البيانات والمنافسة والأسواق والصيرفة. كما اكد البنك على ان مركز ابتكار سيساعد البنوك المركزية على التعرف على الاتجاهات العامة ذات الصلة في مجال التكنولوجيا، ودعم هذه التطورات متى اتسق ذلك مع تفويضها، وتحديث المتطلبات التنظيمية بما يتناسب مع هدف حماية الاستقرار المالي. وقد كان البنك حافزا وموجها للبنوك المركزية والجهات التنظيمية لتطوير عمليات الرقابة في ضوء التحديات الجديدة الناجمة عن التكنولوجيا المالية او المرتبطة باتساع الفضاء المالي الذي قادت اليه، وزيادة قدراتها على رصد احتمالات تدفق الأموال غير المشروعة والاحتيال والسرقة. مما دفع البنوك المركزية الى السعي لتنظيم بيئة التكنولوجيا المالية وتشريعاتها الوطنية بشكل فعال ومؤثر، وتطبيق المعارف التنظيمية بأساليب جديدة، وتعزيز التعاون اقليميا ودوليا بين البنوك المركزية الوطنية والمؤسسات المالية الدولية والبنوك وشركات التكنولوجيا المالية والقطاع الخاص. وعلى صعيد مملكة البحرين فان حكومتها ادركت بوقت مبكر اهمية استثمار التكنولوجيا المالية للارتقاء بالنظام المالي والمصرفي في البلاد، لتحديث وتعزيز دورها كمركز مالي ومصرفي اقليمي متميز من ناحية، ومن ناحية اخرى استثمار الوفورات الاقتصادية والمالية التي تحققها التكنولوجيا المالية لتحقيق التنمية المستدامة بأفق عصري قائم على الريادة والابتكار، واتاحة التمويل المناسب للمنشآت المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر ودعم المبتكرين، وتمكينهم من تنفيذ مشروعاتهم بنجاح ودون عوائق، بالتزامن مع تطوير النظم والتشريعات والرقابة المصرفية. فكان توطين شركات التكنولوجيا المالية وارساء قواعد التعاون بينها وبين البنوك والقطاعين العام والخاص، احد اركان السياسة الاقتصادية التي يقودها مجلس التنمية الاقتصادية في المملكة. ولأجل تحقيق هذه الاهداف فقد رعت حكومة البحرين العديد من المبادرات المحفزة لجذب شركات التكنولوجيا المالية. ففي 29 /مارس/ 2017م استضافت المملكة منتدى التقنية المالية الأول لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا الذي نظمته شركة الخدمات المالية العربية في البحرين تحت رعاية مصرف البحرين المركزي، وبدعم من مجلس التنمية الاقتصادية، والذي افتتح بكلمة مهمة لمحافظ مصرف البحرين المركزي أبرزت أهمية التكنولوجيا المالية، وضرورة قيام البنوك بتبني حلولها من أجل توفير خدمة أفضل للعملاء. ودعا المنتدى البنوك الى اقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا المالية، موضحا الأهمية البالغة للآثار المترتبة على استخدام تقنياتها الحديثة على أعمال البنوك والقطاع المالي عموما. وفي 30/مارس/2017 وقع مجلس التنمية الاقتصادية بمملكة البحرين واتحاد سنغافورة للتكنولوجيا المالية (Singapore Fintech Consortium ) المتخصص في تطوير حاضنات التكنولوجيا، وشركة تروشال إنفستمنت بارتنرز ليميتد (Trucial Investment Partners) المتخصصة في إدارة الاستثمارات والتي تتخذ من دبي مقرا لها، على اتفاقية شراكة لتطوير البيئة المساندة والإطار التنظيمي للتكنولوجيا المالية في البحرين. مما مهد لإرساء قواعد البنية التنظيمية والتشريعية للتكنولوجيا المالية، وإطلاق مصرف البحرين المركزي وحدة خاصة بالتكنولوجيا المالية، وبيئة تجريبية رقابية لاختبار حلول التكنولوجيا المالية تسمح لشركات التكنولوجيا المالية والمؤسسات المالية التي تركز على الطابع الرقمي في جميع أنحاء العالم باختبار وتجربة أفكارهم وحلولهم المصرفية في البحرين، الامر الذي اسهم في تبني قطاعها المالي والمصرفي لتطبيقات وخدمات التكنولوجيا المالية. ولمملكة البحرين السبق اقليميا في الاهتمام بتطبيقات تكنولوجيا بلوك تشين (Blockchain) في مجال الخدمات المالية والحكومية. فقد سنت في عام 2018 قانونا بشأن السجلات الالكترونية القابلة للتداول، والذي يوفر الاطار القانوني الملائم والداعم لاستخدام البلوك تشين والتقنيات الحديثة الاخرى في معاملات القطاع التجاري والحكومي في المملكة. كما ان مجلس التنمية الاقتصادية عمل منذ عام 2018 ايضا على وضع استراتيجية وطنية لتطبيقات البلوك تشين في مجال الخدمات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص. ومما ينبغي الاشارة اليه ان عددا من البنوك التجارية في البلاد طبقت نظام الخدمات المصرفية عبر الانترنت منذ سنة 2000، واعتمدت خطوات متطورة في المعاملات المصرفية والتحويلات البنكية، واعتمدت مجموعة اخرى من البنوك فيها تطبيقات كثيرة يمكن من خلالها استعمال الهاتف النقال في العمليات المصرفية، وتحويل المبالغ واستخدام نظام بنفت في التسوق من خلال بطاقة خاصة، وقدمت البنوك أيضا عدة خدمات منها المحفظة الالكترونية والشيكات الالكترونية بالتعاون مع مصرف البحرين المركزي. كما ان بعض الشركات المالية في البحرين تحولت من الخدمات المالية التقليدية الى تقديم خدمات التكنولوجيا المالية مثل شركة الخدمات المالية العربية التي تحولت من إصدار الشيكات السياحية التقليدية إلى إدارة البطاقات والمدفوعات، باستخدام التكنولوجيا المالية منذ عام 2017، وتقدم ايضا خدماتها الاستشارية للبنوك للاستفادة من التكنولوجيا المالية في تقديم خدمات مصرفية أفضل للعملاء. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :