تفاعلت العديد من العوامل وأدت إلى دفع الحكومات وبنوكها المركزية في مختلف دول العالم إلى الاهتمام بالتكنولوجيا المالية والسعي إلى جذب وتوطين شركاتها الناشئة في بلادها, فقد أدركت تلكم الدول ان التكنولوجيا المالية يمكن ان تحقق أهدافا عدة منها: أولا تحقيق الشمول المالي, والذي يقصد به إمكانية حصول شرائح واسعة من المجتمع على الخدمات المالية، حيث توجد أعداد كبيرة من السكان في العالم تفتقر إلى الحسابات المصرفية لأسباب كثيرة، مثل الفقر، والجهل المالي، وصعوبة وصول الخدمات المصرفية إلى المناطق الريفية، بالإضافة إلى انتشار الاقتصاد غير الرسمي. وحيث إن الدفع والاقتراض يمكن ان يتما باستخدام الهواتف المحمولة التي عادة ما تكون أكثر انتشارا بين الناس مقارنة مع الحسابات المصرفية التقليدية، فأن ذلك يمكن أن يساعد في تخفيض نسبة السكان الذين ليست لديهم حسابات مصرفية وبالتالي تيسير الوصول إلى مصادر التمويل. ثانيا: تطمح الحكومات في ان تؤدي التكنولوجيا المالية دورا هاما في تشجيع الابتكار في المنتجات الاستثمارية وخدمة العملاء, وغيرها من المجالات بما يسهم في تعزيز بيئة شاملة للتطور التكنولوجي بين الشركات ورواد الأعمال على وجه الخصوص . ثالثا: تحقيق وفورات المنافسة في القطاع المالي والمصرفي, حيث تتحقق من دخول لاعبين جدد ينافسون البنوك القائمة ويؤدي إلى تقسيم سوق الخدمات المصرفية، وتقليل المخاطر النظامية المرتبطة بالمصارف الكبيرة, فمثلا قامت الحكومة البريطانية بتأسيس هيئة السلوك المالي التي احد أهدافها الترويج للمنافسة في قطاع الخدمات المالية والمصرفية, إلى جنب هدفي حماية العملاء, وتعزيز النزاهة في السوق. ويدفع الخوف من تنامي المنافسة إلى تعاون البنوك مع شركات التكنولوجيا المالية الناشئة للحفاظ على حصتها السوقية, خاصة وان عددا قليلا من شركات التكنولوجيا المالية الناشئة تتصرف على أنها منافس مباشر للبنوك، في حين تسعى اغلبها إلى الشراكة والتعاون مع البنوك للاستفادة من إمكاناتها التمويلية وقواعد معلوماتها وعملائها. وهذه الشراكة يمكن أن تستفيد منها البنوك التي تسعى لأن تصبح أكثر استجابة لاحتياجات العملاء المتغيرة وأكثر مواكبة للتكنولوجيا الصاعدة, وبالتالي أكثر إسهاما في تمويل الفرص الاستثمارية لاسيما التي تتميز بالإبداع والابتكار بما ينعكس إيجابا على النمو الاقتصادي في البلاد. رابعا: التكنولوجيا المالية تسهم في تحقيق الاستقرار المالي بتخفيض تكاليف التشغيل في البنوك وتسهيل تحليل البيانات الضخمة لأغراض إدارة المخاطر وكشف الاحتيال وهو أمر هام للحكومات. خامسا: تؤدي التكنولوجيا المالية التي تستند إلى سلة واسعة من البيانات الدقيقة دورا مهما في تسهيل الامتثال للقواعد التنظيمية, لاسيما مع انتقال البلدان من مرحلة تحسين القواعد التنظيمية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب إلى مرحلة تنفيذها وذلك من خلال التكنولوجيا التنظيمية (Regetech). اذ إنّ استخدام التكنولوجيا المالية يُمكن من تحسين عمليات الامتثال في البنوك والمؤسسات المالية . سادسا: تيسر التكنولوجيا المالية رفع كفاءة تحصيل الإيرادات وأداء المدفوعات الحكومية، والحد من التسرب المالي. سابعا: التكنولوجيا المالية توفر مصادر بديلة لتمويل الأسر والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال منصات الاقراض المتوفرة في السوق مثل الاقراض بين النظراء وتمويل التجارة عبر الانترنت. وتستطيع التكنولوجيا المالية جمع رأس المال بطرحها أنماطا جديدة من التمويل مثل الاقراض المباشر lending P2P والتمويل الجماعي والتمويل الجماعي مقابل أسهم Crowd Equity . وعلاوة على ذلك فإن التكنولوجيا المالية يمكن أن تساعد على زيادة الاقراض المصرفي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتطبيق الوسائل التكنولوجية التي تحد من عدم اتساق المعلومات مثل تحليل البيانات الضخمةBig Data وكذلك توفير خدمة فائقة في حفظ سجلات الضمانات باستخدام تكنولوجيا دفاتر الحسابات الرقمية الموزعة, فضلا عن ان الدفع بالوسائل الرقمية يفتح مسارا للبيانات, يتيح للمقرضين فرصة تقييم الجدارة الائتمانية حتى للمؤسسات متناهية الصغر, وبالتالي يمكن للتكنولوجيا المالية تحفيز التنوع الاقتصادي والنمو المنشئ لفرص العمل من خلال تحسين فرص الحصول على التمويل، مما يتجاوز أحد أهم معوقات المنشآت الصغيرة والمتوسطة, وغيرها من العوامل التي تدفع الحكومات للاهتمام بالتكنولوجيا المالية, في إطار سعيها للحفاظ على استقرار القطاع المالي والمصرفي في بلدانها, والى تطويره, وتوسيع أنشطته بما ينعكس إيجابا على مجمل حركة الاقتصاد الوطني. إلى جانب سعيها إلى تعميم التحول الرقمي لمختلف قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية. لذا فقد تفاعلت مع القادم الجديد (التكنولوجيا المالية) ووجهت بنوكها المركزية إلى الاهتمام بها والسعي إلى توطين شركاتها الناشئة في بلادها, والاستفادة من مزاياها, وإيجاد البيئة التنظيمية والتشريعية المناسبة لها, والاستعداد لخفض اية اثار سلبية أو تحديات يمكن ان يتعرض لها القطاع المالي والمصرفي جراءها. فكان للبنوك المركزية في مختلف دول العالم الدور الأكبر في توجيه قطاعاتها المالية والمصرفية لتبني التكنولوجيا المالية, الأمر الذي قاد إلى نمو واتساع وازدهار سوق التكنولوجيا المالية, فلم يعد المفهوم مقتصرا على شركات التكنولوجيا المالية الناشئة بل امتد إلى شركات الاتصالات, وتكنولوجيا المعلومات, والانترنت, وشركات التجارة الالكترونية والتعليم والنقل, وغيرها من الشركات التي دخلت في مجال التكنولوجيا المالية لكسب اكبر قيمة مضافة ممكنة من قطاع الخدمات المالية والمصرفية. وللموضوع بقية في مقالات قادمة إن شاء الله. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :