تواجه الجامعات الاردنية الرسمية تحديات شتى منها المالي ومنها الإداري ومنها الهيكلي والتشريعي. وفي الوقت الذي من المفروض أن تنهض هذه الجامعات بدور تنويري وتنموي في المجتمع فإن تردد الدولة وأحيانا تخبطها في التعامل مع خصوصية الجامعات يحول دون تحقيق الأهداف المرجوة من هذه المؤسسات الأكاديمية. بالطبع لا يتسع المجال للحديث عن ضعف التمويل الحكومي للجامعات ولا عن التبعات المالية الكارثية لكلفة طلبة "جسيم" على قدرة الجامعات على إدامة أدائها وتقديم تعليم محترم للمجتمع، كما لا يتسع المجال أيضا للحديث عن عجز الحكومات المتعاقبة في وضع معايير جدارة واضحة ومعتبرة لاختيار رؤساء الجامعات والقيادات الأكاديمية فيها وتحييد الاعتبارات السياسية والعشائرية في اختيار هذه القيادات.موضوع مقالتنا اليوم مقتصر على مجالس أمناء الجامعات الرسمية وتواضع أدائها وازدواجية مهامها وتغولها على الإدارات التنفيذية للجامعات. لعل سائل يسأل لماذا لا يشمل الحديث مجالس أمناء الجامعات الخاصة؟. الإجابة طبعا تكمن في أن هذه المجالس من الناحية العملية تتأثر برغبات وسطوة هيئات المديرين وملاك الجامعات الخاصة، رغم أن قوانين التعليم العالي لا تظهر هذا الواقع لهيمنة هيئات المديرين وتحديدا رئيس هيئة المديرين على رئيس وأعضاء مجالس الأمناء وعلى رئيس الجامعة. فرئيس وأعضاء مجلس الأمناء يمالئون هيئة المديرين، وهذا يمكن تفهمه نظرا لان تعيين رئيس ومعظم أعضاء مجالس الأمناء يأتي باختيار هيئة المديرين.تجربة مجالس الأمناء في الجامعات الرسمية تجربة تحتاج إلى إعادة دراسة جذرية من حيث الجوانب التالية: أولا مدى الحاجة إليها في ضوء وجود مجالس العمداء ومجلس الجامعة ومجلس التعليم العالي وكلها مجالس تنسب لبعضها البعض وتقريبا تتعامل مع نفس المشكلة ولكن لأربع أو ثلاث مرات مكررة، وأحيانا يجد المرء صعوبة بالغة في فهم هذا المنطق من التكرار والازدواجية لمعالجة نفس الموضوع من مجالس بعضها قد لا يتوفر لديه الإطلالة أو الخلفية أو الإلمام بالمواضيع المطروحة، خصوصا عندما يكون الأعضاء من خارج المجتمع الأكاديمي.الهدف من إنشاء مجالس أمناء الجامعات والمراكز البحثية في العالم هو استقطاب رؤى وأفكار قيادات مجتمعية بارزة لرسم اتجاهات وسياسات عامة تتعلق بمسارات البحث العلمي وربط الجامعات بشبكة من العلاقات مع مراكز تمويلية وصناعية محلية وعالمية. رؤساء وأعضاء هذه المجالس يتم اختيارهم من ذوات وشخوص وازنة (ليس بالضرورة نيابية أو وزارية) عرف عنهم قدراتهم على استشراف حركة المجتمع ومساراته واحتياجاته واتجاهات تطوره وتوجيه الجامعات ليس للتجاوب مع هذه الاتجاهات والمسارات المجتمعية فحسب ولكن قيادتها. لم يخطر ببال المشرعين الأوائل الذين فكروا بإنشاء مجالس أمناء أن تكون الرئاسة أو العضوية في هذه المجالس لاسترضاءات عشائرية وقبلية أو سياسية أو تنفيعية. وفي الوقت الذي يمكن استيعاب وتفهم مسوغات وجود مجالس أمناء للجامعات فإن مهام هذه المجالس حسب قانوني التعليم العالي والجامعات الرسمية تفرض، بلا شك، على هذه المجالس الانخراط بالأعمال التنفيذية التي هي من اختصاص رؤساء الجامعات وفرقهم الإدارية. أي استعراض لمهام مجلس الأمناء سيفضي بالتأكيد إلى أن هناك ازدواجية في الواجبات وان كثيرا من مهام الرئيس ومجلس العمداء ومجلس الجامعة ينتهي بها الأمر في أيدي مجلس الأمناء الذي قد يكون معظم أعضاءه من غير المختصين.الجانب الثاني يتعلق بطريقة تشكيل واختيار مجالس الأمناء التي تفرغه من مضمونه وتجعله مجرد مستوى إداري إضافي وغير مجدي في الجامعة ويزيد من تعقد العمل الإداري، ويخلق أجواء من الترقب وأحيانا الترصد والتصيد للإدارة التنفيذية للجامعة. الجامعات لا يمكن لها أن تحتمل حالة الازدواجية الحالية وحالة التنافس على ممارسة السلطة وإبراز العضلات وكسر الإرادات...الجامعات الأردنية لم يعد بوسعها احتمال حالة أن يكون للجامعة رأسين أو رئيسين ،فهذا ينطوي على تناقض صارخ مع مبدأ إداري متعارف عليه وهو مبدأ وحدة الأمر(Unity of Command)....لم تشهد كل الأعراف الجامعية في العالم أن تكون مجالس الأمناء مرجعا يستقبل شكاوي الموظفين، وتستدعي من ترغب من كوادر الجامعة، وتجتمع بقيادات الجامعة، وتنتقد أداء الجامعة دون إلمام كاف بمنجزاتها وتفاصيل عملها!.السؤال المطروح هنا إذا كان من مهام مجلس الأمناء أن يقيم أداء قيادات الجامعة ونواب الرئيس والعمداء فيا ترى من هي الجهة التي تقيم أداء رئيس وأعضاء مجلس الأمناء؟وهل يتم فعلا تقييمها؟...مجالس الأمناء بلجانها المختلفة تجتمع وتدرس قضايا تمت دراستها من قبل لجان متخصصة ومن قبل مجلسي العمداء ومجلس الجامعة لتؤول لآخر حلقات دراستها في مجالس الأمناء والتي تستغرق أحيانا وقتا طويلا مما يؤخر ويؤجل عمل الجامعة وقضاياها المهمة.تقييم أداء مجالس الأمناء ضروري والتجربة برمتها تحتاج إلى إعادة نظر ودراسة حيث أن هناك تساؤلات حقيقية وجادة متعلقة بالجدوى الإجمالية لهذه المجالس بهيئتها الحالية، كما أن هناك اختلالات واضحة بكيفية واسلوب اختيار رؤسائها وأعضاءها، ناهيك عن تداخل صلاحياتها مع رئاسة الجامعة.إن استمرار وضع مجالس الأمناء من حيث التشريع والمهام والصلاحيات يضعف رؤساء الجامعات ويجعل رؤساء مجالس الأمناء ينخرطون في الأعمال اليومية للجامعات وما يترتب على ذلك من ازدواجية لا بل افتئات على صلاحيات رؤساء الجامعات.مجالس الأمناء ليست مجالس إدارة شركات فمجالس الإدارة (Boards of Directors) تقترب كثيرا من الأعمال التنفيذية وتتدخل بها حرصا على أموال المساهمين والذين يكون أكثرهم استثمارا عضوا في مجلس الإدارة. التحديات التي تواجه جامعاتنا الرسمية جسيمة وبعضها يعود لعوامل ربما تتعلق بغياب الرؤيا الواضحة للحكومة حول ما الذي تريده من الجامعات، وحول مدى الاهتمام والأولوية التي تعطيها للتعليم العالي. نعم بعض رؤساء وأعضاء مجالس الأمناء يشعرون بأنهم لا يستطيعون فعل شيء للجامعات في ظل توجه الحكومات لرفع يدها عن دعم الجامعات. مجالس الأمناء التي يعول عليها في حشد الدعم المالي والحصول على تبرعات للجامعات ربما تشعر أن مثل هذه المهام يصعب تحقيقها في بيئات فقيرة ومناخات وثقافة مجتمعية لا يشكل فيها التبرع والوقفيات والعمل التطوعي قيما عليا وأنماط سلوكية محترمة. لكن الحقيقة تبقى انه إذا كانت هذه المجالس غير فعالة وغير نافعة فليس من المنطق أن نزيد الأمر سوء وتعقيدا بإضافة مستوى إداري إضافي غير مجدي و مكلف من النواحي المادية والإدارية والأدبية.....فهل من مدكر
مشاركة :