تنشر "البوابة نيوز" فصلا من رواية "ليالي تماريت" للكاتبة المغربية أمينة الصيباري، والتى أعلنت مؤخرا عبر صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، عن توجيه ثمن روايتها للأسر الفقيرة والمتضررة، وذلك بهدف إشاعة التثقيف وروح التضامن.فصل من رواية "ليالي تماريت":كانت الساعة تقترب من الثانية، أغلقت الحاسوب. سحبت من درج المكتب عشوائيا ورقة من أوراق الزريعة، والكاكاو، تماما كما تسحب أوراق اليانصيب. الحظ مهم جدا في مثل هاته المسائل، فقد يكون معك، ويمنحك مخطوطا دسما، أو ضدك ويهديك ورقة امتحان أحد المتعثرين في مدارس الوطن... شهادة الحياة، أو صفحة من كتاب الرسائل، وفي أسوأ الأحوال وثيقة علمية بلغة لا تتقنها، فيصيبك الإحباط.- "على بركة الله إذن، نقوم بسحب الليلة".هذه المرة الورقة من دفتر، الكتابة بخط يد رفيع، لعلها لشاعر خطاط، لم يمنحه الموت فرصة جمعها في ديوان ونشرها، فباعها أحد ورثته مقابل حفنة بذرة نوار الشمس مقلية، أو لعلها لكاتب ثائر، تمرد على واقع الطبع والنشر في بلدٍ آخرُ همومه الكتاب والكتابة، فسلمها لبائع المكسرات، على أمل أن تقع في يد كائن حي يقرأها صدفة، أو تقع في يد كائن ليلي يحارب الظلام بواسطة عد حبات الزريعة وباقي المكسرات."مثلي أنا" قلت وأنا أتأهب لقراءة الورقة بتمعن:"لا تقف على الرصيف، حين يمكنك المشي على الطريق"."لا تستعجل النكبات وأنت تغازل الرزايا"."لا تصمت كسلحفاة أنّى عوت الخرفان"."لا تنفخ في الجراب المثقوبة، كي لا تسخر منك الريح"."لا تثق بالمادحين، فالمدح من طينة الدجل"."لا تخجل من سعيك خلف السراب، فبعضه حياة"."لا ترضخ لمشيئة الفلول، فيكون مصيرك الأفول"."غنّ مع الصراصير لحن الخلود، هي من زفّت الديناصورات إلى حتفها، وعادت مبتهجة من المقبرة"."حين تغرق المركب، لا تسأل أين كان المجداف"."البخلاء والشطار لا يصابون بالحب. الحب لا ينبت إلا في القلوب الخصبة"."تطفو كعوّامات على خدّ الوقت تلك الهواجس الزرقاء الجميلة..."."لا تبالي بحسرة غافية. عين نامت وأخرى تثبت الخطو على الطريق"."أشك في أي شيء جميل يصادفني. القبح يقين"."اللوعة تعرف مساربها... احفر طريقا للفرح"."تبل حياتك بالحب".يذيل الورقة، بيت جرير الشعري، وبالخط الكوفي: "إن العيون التي في طرفها حور * قتلننا ثم لم يحيين قتلانا"ياه! من يا تراه هذا الذي بعث لامرأة لا يعرفها بكل هذا الكلام. اعتبرت الورقة رسالتي والليل ليلي. لطالما كان الليل مملكتي. الليل جزيرة الهاربين من لوعة الشمس. يتحررون من رهبة الضوء متى بدأت السماء في ارتداء برقعها كعاهرة متخفية. هل قلت لك أيها الغريب الذي اقتحم خلوتي إن الليل يتنصّل منه الزمن ليصير مكانا. حيّزا مذهلا في الرأس. فكرة يتخفّى وراءها النور. ذكرى مشتعلة في الخاطر. الليل مكان الأشياء الضائعة المتوحشة المنفلتة من يقظة النهار. الليل مهد الحكايات حتى حين تنضب حكايات شهرزاد فتكون مضطرة لقتل شهريار.