من شب على شيء شاب عليه. إسرائيل المخلوق غير الطبيعي، الذي ولد من رحم القرصنة والإرهاب والعنصرية، لا تستطيع وليس بيدها إن أرادت، وهي بالطبع لا تريد، أن تكون مخلوقا طبيعيا قيميا يتحلى بأبسط صفات البشر والجماعات الطبيعية. سرقت الأرض وشردت أهلها، وتسعى جاهدة لسرقة التاريخ وأحلام الفلسطينيين وممتلكاتهم وتواصل سرقة حياتهم. لم تعد إسرائيل تأبه لنتائج ممارساتها الإرهابية والعنصرية ولا لأي انتقادات من هنا أو هناك، فواقع الحال في هذه الدنيا يسمح للقوي بأن يأكل الضعيف. في زمن الكورونا لا يرحم أحد أحداً، فلقد ظهرت الأنانية بأقسى أشكالها، فلا ترحم دولة دولة أخرى، حتى لو كانت من بنات جلدتها، ولسان حال الدول القادرة يقول “أنا ومن بعدي الطوفان”. في مواجهة الاحتياجات الطبية، تحرك إسرائيل الجيش والشاباك والموساد. يفتخر المسؤولون عن الموساد بأنهم نجحوا في توفير بعض المستلزمات الطبية، من خلال القرصنة ومصادرة احتياجات تعود لدول أخرى. القرصنة على المستلزمات الطبية الضرورية تكررت خلال الفترة القريبة المنصرمة، دون حساب لحقوق الغير أو مؤسسات القضاء والتحكيم الدوليين أو لقواعد التجارة الدولية، فهذه خاضعة لسياسات الدول النافذة، خصوصاً الولايات المتحدة التي توفر الغطاء والحماية الدائمة لدولة إسرائيل. تتجلى العنصرية بأبشع أشكالها ضد الفلسطينيين، فهي تحرم الأسرى من أبسط وسائل الوقاية والفحص والعلاج، وتتخلى عن مسؤولياتها إزاء عشرات آلاف العمال الفلسطينيين، سواء من حيث الرعاية الطبية أو من حيث حماية حقوقهم. الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء في الضفة أو في غزة كانت السلطات فيها قادرة على محاصرة انتشار الفيروس، لكن طريقة تعامل إسرائيل مع العمال الفلسطينيين أدت إلى تسرب الفيروس وبالتالي ازدياد أرقام المصابين، فضلاً عن أنها تتركهم للجوع أو لكي تتحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية في ظل ضعف إمكانياتها. لعل أبرز ما يؤشر على هذه الطبيعة العنصرية، إهمال السلطات الإسرائيلية ومحدودية ممارسة المسؤولية تجاه المواطنين الفلسطينيين فيها، في ظل استمرار التحريض العلني البشع على القائمة المشتركة، واعتبارها جسماً غريباً ينبغي عزله والحد من فاعليته وتأثيره في الشأن العام الإسرائيلي. نفتالي بنيت وزير الدفاع المعروف بعنصريته وتطرفه الشديد وكراهيته للفلسطينيين يصرح علناً بأنه لن يسمح بتمرير المستلزمات الطبية والمساعدات لقطاع غزة، طالما ظلت حماس تحتفظ بأسرى إسرائيليين. من الواضح أن السياسة الإسرائيلية تواصل التعامل مع قطاع غزة وكأنه كيان منفصل لا مسؤولية لها تجاهه أو عليه، ذلك بالرغم من قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد أن إسرائيل دولة احتلال ولا يمكنها التهرب من مسؤولياتها القانونية والحياتية والأخلاقية تجاه تلك الأراضي. مؤشرات عديدة تتحدث عن دوافع خاصة وسلوك ابتزازي خلف تصريح بنيت، كانت حماس مصرة على أن تنفذ إسرائيل شرط الإفراج عن الأسرى المحررين، الذين تم الإفراج عنهم في صفقة شاليط، مقابل تقديم معلومات اولية عن أوضاع الأسرى لديها، وكانت إسرائيل ترفض ذلك. مبادرتها الحديثة تطالب إسرائيل بالإفراج عن الأسرى المرضى وكبار السن و النساء من سجونها بدلاً من شرط الإفراج عن الأسرى المحررين، وهو شرط يمكن لإسرائيل أن تتعامل معه للتخلص من هؤلاء، رغم أن موافقتها على ذلك تنطوي على قدر من الرضوخ. إذا كانت الطبقة السياسية في إسرائيل تحاول أن تجند كورونا في إطار الصراعات والمنافسات القائمة بين الكتل السياسية، إذ يقف نتنياهو على رأس المستثمرين لحماية مستقبله السياسي، فإن الفرصة متاحة أمام الفلسطينيين لابتزاز العنصرية الإسرائيلية وطريقة تعاملها مع الأراضي الفلسطينية المحتلة في زمن الكورونا، لإرغام إسرائيل على الاستجابة لبعض الاحتياجات، بما في ذلك تحقيق تحريك ملموس ومعقول على ملفي الأسرى وحصار غزة. في الأخير نتساءل عن مصير المليارات التي قررت قمة العشرين تخصيصها لمواجهة الكورونا، وهل ستكون للأراضي الفلسطينية المحتلة حصة معقولة منها، أم أنها مجرد تعهدات من قبل كل دولة لتخصيص موازنات لمجتمعاتها، وإهمال حاجة المجتمعات الضعيفة، والتي لا تمتلك الحد الأدنى من إمكانيات مواجهة الفيروس؟.
مشاركة :