كيف نفسر الاختلاف الذي قامت عليه ثقافة الاستهلاك من شخص لآخر، وكيف يكون الوضوح والبداهة بحيث يستوعبها الذهن الإنساني دون أن يرتاب في حقيقتها، ويستنبط منها ما يوافق حاجاته وسياسته التي ينتهجها في الحياة الخاصة. وتناولت بعض الكتب والمواقع ماقدمه "تورستين بوند فيبلين" العالم الاقتصادي والاجتماعي الأميركي، حول الدراسة التي اشتُهر بها في تاريخ الفكر الاقتصادي بعد أن (دمج نظرية التطور لداروين مع نهجه المؤسسي للتحليل الاقتصادي، واستطاع أن يجمع ما بين علم الاجتماع والاقتصاد في كتابه الرائع نظرية الطبقة الغنية في عام 1899م، حيث برهن على وجود اختلاف أساسي بين إنتاجية عجلة "الصناعة" التي يديرها مهندسو تصنيع البضائع وبين تطفل "العمل التجاري" والذي يكمن هدفه الوحيد في الحصول على الأرباح للطبقة الغنية، وأوضح أن النشاط الرئيس للطبقة الغنية هو "الاستهلاك المظهري"، كما أن مساهمة هذه الطبقة في الاقتصاد لا تعد سوى نشاط مهدر لا ينتج عنه أي نوع من أنواع الإنتاجية). ونقف عند هذه الدراسة التي تفيد بأن الاستهلاك المظهري يضاعف الأعباء على المستهلك العادي من عامة الشعب ويحمله كُلفة إضافيه، ويصعب عليه إحصاء الارتفاع كفحوى للتغيرات الاقتصادية المتسارعة، فإن مفهوم السوق يكشف سياسة وقوانين حماية المستهلك في المجتمع وإرغام الشركات المصنعة على تحري سلامة المنتجات. وتظل حماية المستهلك نوعاً من التنظيم الحكومي والقطاع الخاص، وأقرب ما تكون بين التاجر والمستهلك، فمثلاً قد تطلب الحكومة من قطاع الأعمال أن يكشف معلومات مفصلة عن المنتجات، ومراقبة الأسعار وخصوصاً تلك المتعلقة بقضايا السلامة، أو الصحة العامة، كمنتجات الغذاء كما تقوم بها هيئة الغذاء والدواء ووزارة التجارة لحماية المستهلك من الغش التجاري وتسجيل الموردين والاستعلام عنهم وامتيازات أخرى كثيرة تمنع استغلاله بصورة غير مشروعة أو عن طريق الاحتكار. وبمقتضى هذا الفرز الذي أوردناه حول جنون الاستهلاك وتأثير النزعة الاستهلاكية على السوق، فإننا على هذا النحو نقدم رسائل ترشيد الاستهلاك وتعزيز الوعي قبل قدوم شهر رمضان المبارك لما نشاهده من تحضيرات مسبقة لتأمين المواد الغذائية كنوع من الاحتفاء والفرح بهذا الشهر الكريم إلى استعمال ماهيته في الإسراف والتبذير، واستعمال هذا الخير وهذه القيمة إلى مبالغة تفيض عن الحاجة، وكأن الموائد الفاخرة نوع من العبادة وشرط الصيام. فعندما تتحقق العبادة والعادة تفزع قوة التأقلم وتتحول إلى رغبات ثم تنقلب إلى حجج ضدها، فكل ماهو بشري يعمق الأهمية، وأما ما قيل حول السمتين المنتشرتين في البلاد النامية وهي حب الظهور والرغبة في محاكاة الآخرين حسب تحليل د. عادل عبدالحليم: وهما سمتان تنتشران في البلاد النامية التي (ثبت علمياً أن تخلفها ليس عائداً إلى نقص ذكائها بدليل تفوق أبنائها متى أتيحت لهم فرصة السفر والمعيشة في البلاد المتقدمة). وبعيداًعن العوامل الثقافية أو الحضارية (فهي غنية بحضارتها وثقافتها العريقة بل نتيجة التبعية الاقتصادية التي فُرضت عليها لصالح البلاد الصناعية الرأسمالية)، علاوة على كونها تجارب اجتماعية مختلفة ومتفاوتة لها خطط نهائية غير واقعية، ونتيجة لذلك يبدو أن التفسير المنطقي غير مقنع وغير ناضج، وضعف مشاركة المرأة في هذا المشهد وهذه المسؤولية يحدث خللاً من حيث النسبة والتناسب بين الدخل والإنفاق وغياب ثقافة الاستهلاك.
مشاركة :