يمكن أن يعذر الإنسان أصحاب الباطل اذا ما دافعوا عن باطلهم ، فبعض هؤلاء يعتقدون أن الحق يمكن أن يكشف زيفهم وباطلهم فيتمترسون وراء الباطل حتى وهم أكثر إدراكاً بزيفه. لكن ما هي مصلحة بعض الناس في الدفاع عن الباطل، دون ان يستبينوا، أو حتى وإن استبانوا .. لكنهم يقفون مع الباطل لأن أهل الباطل منهم؟! *** تداعت أمامي هذه الخاطرة بعد أن قرأت مداخلة لأحد الأشخاص على القضية التي كتبت عنها الأسبوع الماضي حول تعامل شركة عالمية بحجم شركة سامسونج في مصر مع شكوى تتعلق بأحد منتجاتها. فقد رأيت في هذا ظلماً يتعرض له كثير من المستهلكين أمثالي، واستخدمت كل الوسائل المشروعة التي رأيت أنها تخدم قضيتي ونشر وجهة نظري على موقع الشركة على الفيس بوك، ثم في مقال يشرح ملابسات القضية. الشركة استجابت نظرياً بالقيام بالاعتذار في نفس الموقع ... وإن عمدت لاحقاً الى عمل (بلوك) يمنعني من الدخول الى الموقع. لكن اذا كنت أعذر الشركة التي ضاقت بشكواي .. لا أدري لماذا يتدخل من لا صفة له للدفاع وبطريقة فجة في أمر لا يعنيه. إذ عقب أحدهم قائلاً: «ياعم ما تولع انت وثلاجتك اللي قرفتنا بيها دى ,, انت تحمد ربنا انها بقت نملية ,, اتهد بقى بدل ما نحطك انت شخصيا فى النملية دى, عالم فكسانة»؟! *** وأقول لصاحبنا ان الوقوف مع الباطل لأنه يصدر من قريب أو حبيب لا يمكن أن يخدم أي قضية. ولم يسُد المسلمون لفترة طويلة من الزمن العالم إلا لأنهم كانوا يضعون العدالة موضعها ... فلما تركوا ذلك تُرِكوا؟! وهناك قصة تاريخية تُعطي صورة مشرقة من تاريخ المسلمين. ففي أثناء الفتوحات الاسلامية حاصر جيش المسلمين بقيادة قتيبة بن مسلم مدينة سمرقند عام 93 هـ ، ولم يدخلوها إلا بعد أن احتال عدد من جنود المسلمين فى هيئة تجار يبيعون سلعاً وبعد أن صاروا داخل المدينة هاجموا الحصون والقلاع وفتحوا الابواب فدخل بقية جيش المسلمين واستسلم عندئذ أهل سمرقند وسقطت المدينة فى أيدى المسلمين. وظلت سمرقند على هذه الحال بلدة اسلامية حتى تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز، فاشتكي جمع من أهل سمرقند إليه «ان قتيبة غدر بنا وظلمنا وأخذ بلادنا»، فأجلس لهم قاضياً ينظر فى أمرهم والاستماع الى شكواهم، وأصدر القاضى بعدها أعجب حكم فى التاريخ قال: ((قد حكمت على جيش المسلمين بأن يخرج من سمرقند ويسلم البلاد الى أهلها، ثم يعرض عليهم الدخول فى الإسلام ، فان لم يقبلوا فالجزية ، والا فيعلق عليهم الحرب والقتال))، وكانت النتيجة أن رضي أهل سمرقند بما كان بعدما رأوا عدالة الإسلام وأخلاق المسلمين. *** هذه القصة هي غيض من فيض من تاريخ الإسلام المُشرق .. وهو ما يعرج بنا الى حديث نبوي يقول «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» .. وهو حديث يأخذه بعض العامة ان تكون مع أخيك المسلم في كل الأحوال، بينما ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لِيَنْصُرْ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نُصْرَةٌ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ». فرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جاء ليتمم مكارم الأخلاق ، وعلى رأسها إحقاق الحق وإزهاق الباطل. *** إن من الأسس والبديهيات التي قامت عليها الحياة أن يكون هناك حق وباطل، وكلاهما بيّن واضح جلي، ولكل منهما صفات ودلائل ولكل منهما تبعات، والإنسان مخير بين الطريقين أيهما يشاء يتخذه سبيلاً، فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعل فى قلوبنا غلاً ولاحقداً على الذين آمنوا. nafezah@yahoo.com nafezah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :