في النظام الاجتماعي المكي وربما يكون النظام نفسه موجوداً في المدن الأخرى، أنه يوجد في أحيائها رجالات يُشار إليهم بالبنان ويُرجع إليهم في قضاء الحاجات لحل الخلافات، ويكون من أهم صفات أولئك الرجال أنهم يترفعون عن الصغائر ويتحملون المشاق والمتاعب ولا يعبؤون بمن يؤذيهم بكلمة أو عبارة بل تدعوهم أخلاقهم ونفوسهم الكبيرة إلى التسامح والتجاوز والتماس الأعذار بمن يسيؤون إليهم لأنهم يرون أن الواحد منهم لم يبلغ موقعه الاجتماعي الذي تسلمه إلا لكونه لا يُجاري غيره في العداوات والصراعات وإلا لأصبح مثله، وليس من حقه أن يكون وجيهاً أو كبيراً في قومه لأن الرؤوس أصبحت سواء. وكمثال على ما ذكر قد سمعت عن رجل أعمال مكي له نشاط اقتصادي ومالي وتجاري واسع في جدة بلغه أن أحد الناس قد شتمه واتهمه بصفات ليست فيه، وأخذ من بلَّغه يحثه على تقديم شكوى ضد من افترى عليه حتى ينال جزاءه الرادع، فرد عليه الرجل الكبير قائلاً أن العديد من أبناء مكة المكرمة يحسنون الظن بي وينظرون إليّ بتقدير كبير فكيف أشكو أحداً منهم في المحكمة أو غيرها وكيف أحافظ على مكانتي في عيونهم وقلوبهم إذا فعلت ذلك؟! هذا الموقف الحصيف لرجل الأعمال الشيخ صالح كامل يدل على ذكاء وفطنة وعلو مكانة وفهم لحقائق الحياة والناس، ومثله يستحق أن يكون مقدماً وكبيراً في قومه، أما الذين يرون أن كل كلمة تُقال عنهم يستحق صاحبها عداوتهم سواءً كان ما قاله فيه حقاً أو مجانباً للصواب ويحرصون على توظيف كل ما يملكون من مال وجاه ونفوذ للانتقام من خصومهم فقد يكون لهم الحق أو بعض الحق في الحصول على حقوقهم إن كانت لهم حقوق مثلهم مثل غيرهم، ولكن لا يمكن لهم أن يصبحوا بمثل هذه الأخلاق كباراً في قومهم بل يكونون من عامتهم وعليهم أن يتركوا صدارة المجالس والأماكن لغيرهم من الذين يعرفون كيف تُنال المنازل والمواقع الاجتماعية الرفيعة التي تجعل كل من تربع على تلك المنازل محبوباً ومسموع الكلمة بين أهله وأصحابه وأهل الحي كله ليكون كبيراً لهم ولمن ليس له كبير على أساس «اللي ما عنده كبير يدور له على كبير»، والله الموفق. assas.ibrahim@yahoo.com
مشاركة :