تونس – خلفت قرارات الاجتماع الوزاري في ما يتعلق بالتنمية في تطاوين بالجنوب التونسي، استياء كبيرا في المنطقة الغنية بالنفط والتي تشهد اعتصاما متواصلا في الكامور وهو ما ينذر بتصعيد الاحتقان ليتخذ شكلا أكثر حدّة، حيث اتهم المحتجون الحكومة بالاستمرار في سياسة التلكؤ والمماطلة تجاه مطالبهم. ويعكس الاحتقان المتصاعد في المنطقة ضعف الخطاب السياسي لاحتواء الأزمة التي لم توظّفها الحكومة كنقطة إيجابية لتخفيف الضغط عليها. وأكد الناطق الرسمي لاعتصام الكامور طارق الحداد، في تصريح لإذاعة محلية، رفض المحنجين لمخرجات الاجتماع الوزاري الخاص بتطاوين واعتبر أن قراراته لا تتعلق باتفاق الكامور إذ لم يتم التطرق إلى عدة نقاط أبرزها توظيف ما يقارب ألفين من شباب المنطقة في الشركات البترولية وشركات أخرى وتخصيص دعم مالي يقدر بنحو 80 مليون دينار (ما يعادل 27.92 مليون دولار) لصندوق التنمية الخاص بتطاوين. وأضاف الحداد أن المعتصمين قرروا تصعيد احتجاجهم بهدف الضغط على الحكومة وعلى الشركات الموجودة بالمنطقة لتنفيذ ما جاء في اتفاق الكامور. وأصدر الاجتماع الوزاري المضيق جملة من القرارات تتعلق بالوضع التنموي في تطاوين، من بينها: توظيف 500 شخص قبل نهاية العام الحالي، ورفع العراقيل المتعلقة بصندوق التنمية وحل إشكالية الحصول على التمويل البنكيّ للمشاريع وتيسير الإجراءات. كما أقر الاجتماع الوزاري الانطلاق فورا بإنجاز 60 مشروعا، تحصل أصحابها في السابق على الموافقة وينتظرون بدء التنفيذ، إلى جانب دعوة البنك التونسي للتضامن إلى التسريع في تحويل اعتماد إضافي قدره 1.2 مليون دينار (ما يعادل 400 ألف دولار) لتستفيد منها جمعيّات محلية توفر القروض الصغرى في إطار برنامج المسؤولية المجتمعية للشركات. ولاقت القرارات المنبثقة عن المجلس الوزاري المنعقد استياءً كبيرا في صفوف المعتصمين. ويرى المحتجون أنه في الوقت الذي كان يفترض أن تنكبّ الحكومة على إيجاد حلول جدية للوضع السيء في تطاوين وتنفيذ القرارات المتفق عليها نسجت على منوال حكومة يوسف الشاهد، حيث تنكرت لمطالب الأهالي والمعتصمين معتمدة أسلوب ذرّ الرماد في العيون. وأكد عضو تنسيقية اعتصام الكامور ضو الغول، لـ”العرب”، رفض المحتجين القطعي للقرارات الحكومية معتبرا أنها “لا تفي بالغرض”. وأكد “سندخل في حركات احتجاجية بداية من الجمعة، ثم تنفيذ إضراب عام إلى حين تنفيذ بنود الاتفاق”. وقال الغول إن “القرارات كانت بمثابة الصدمة، فهي لم تمثل إلا 10 في المئة من مطالب المعتصمين، وهذا دليل على سياسة المماطلة التي تنتهجها الحكومة”. ويرى مراقبون أن حكومة إلياس الفخفاخ لم توظف ملف الكامور، رغم ثقل حجمه وحساسيّته منذ العام 2017، لإظهار جديتها في إقرار مقاربات وبرامج تنمية واضحة، حيث يعتبر هؤلاء أن هذا الملف كان يمكن أن يكون بمثابة “المنقذ” لحكومة الفخفاخ التي تتعرض للتشكيك والانتقادات. ويهدد غياب جديّة السلطات في التنفيذ الفعلي لاتفاق الكامور بتخلي الاحتجاجات عن طابعها السلمي والتصعيد نحو العنف، في ظلّ مواصلة أهل القرار الهروب إلى الأمام وإقرار حلول ترقيعية جوفاء أمام تردي الأوضاع في تطاوين ونفاذ صبر المعتصمين المطالبين بالتنمية والتشغيل منذ ثلاث سنوات. وقال النائب البشير الخليفي، في كلمة وجهها إلى رئيس الحكومة تحت قبة البرلمان، “لقد فقدنا الثقة.. لقد خذلت الحكومة أهالي المنطقة مرة أخرى ولم يتم استيعاب الدرس للأسف”. وأكد أن “الجميع كان ينتظر من الاجتماع الوزاري أن يخفف احتقان أهالي تطاوين ولكن القرارات المتخذة ليست أكثر من ضحك على الذقون، وهي بمثابة المهزلة”. وتوقع الخليفي أن يؤدي الغضب من القرارات الجديدة إلى تصعيد الاحتقان في تطاوين محذرا الحكومة من تبعات ذلك، كما شدد على ضرورة تدارك الوضع بسرعة قبل أن يتطور بشكل سلبي. وسبق أن لجأت الحكومة التونسية إلى المعالجة الأمنية لإنهاء اعتصام الكامور، وهو ما فاقم حالة الغضب والاحتقان. ووفق أرقام رسمية، تساهم حقول تطاوين بنحو 40 في المئة من إنتاج تونس من النفط، وبـحوالي 20 في المئة من إنتاج الغاز. والأسبوع الماضي، شهدت الولاية حالة من الاحتقان رافقتها عمليات حرق إطارات مطاطية وغلق للطرقات على خلفية مداهمة قوات الأمن لخيام المعتصمين بهدف إزالتها. وتمّ إيقاف عدد من المحتجين من بينهم الناطق الرسمي باسم الاعتصام طارق الحداد الذي كان قد دخل في إضراب جوع وحشي. ويؤكد المعتصمون تمسكهم بتنفيذ اتفاق الكامور الموقع في 16 يونيو 2017، والذي ينص بالخصوص على رصد تمويلات للاستثمار وتقليص البطالة.
مشاركة :