تونس - لا يفوت الرئيس التونسي قيس سعيد أي فرصة تُتاح له ليوجه رسائل مباشرة إلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي يجدد التأكيد فيها على أنه “الرئيس الوحيد” في البلاد، وأنه مرجع سياستها الخارجية. والتقى الرئيس التونسي، الجمعة، بالغنوشي، وبرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ. وذكر بيان على موقع رئاسة الجمهورية التونسية في فيسبوك أن رئيس الجمهورية أكد على أن “رئيس الدولة هو رمز وحدتها وهو الضامن لاستقلالها واستمراريتها والساهر علی احترام الدستور”. وشدد البيان على أهمية “الإسراع بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعلی ضرورة إيجاد حلول لمطالب الشعب التونسي المشروعة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية”. وجاء الاجتماع بين الرئاسات الثلاث بعد الضجة التي أحدثها تسريب من اجتماع مجلس الشورى لحركة النهضة، الذي انعقد السبت والأحد الماضيين، سخر فيه الغنوشي من معلومات الرئيس قيس سعيد عما يجري في ليبيا. وذلك في سياق حديث عن تصريحات الرئيس التونسي خلال زيارته لفرنسا وحديثه عن الفارق بين “الشرعية والمشروعية”، وهو ما فهم منه أن قيس سعيد يرفع الغطاء عن حكومة الوفاق في ليبيا، وهي حليف الإسلاميين وتركيا. وقابلت حركة النهضة، وخاصة رئيسها راشد الغنوشي، الضجة التي أحدثها التسريب الصوتي بلامبالاة كبيرة، ما فهم منه على أنه اعتراف وتبنّ لما جاء في الشريط. ولم يكلف الغنوشي نفسه عناء الاعتذار للرئيس التونسي، ولو من باب البروتوكول، فضلا عما يمليه التضامن بين مؤسسات الدولة والمسؤولين عنها. وقال متابعون للشأن التونسي إن الرئيس سعيد جدد تأكيده للغنوشي، كما لو أنه يقيم عليه الحجة أمام رئيس الحكومة والشعب التونسي، على أن رئيس الجمهورية هو الجهة الوحيدة التي يعود إليها القرار الأخير في القضايا الهامة بالنسبة إلى البلاد، وخاصة المواقف الخارجية، وفيها دعوة صريحة لرئيس البرلمان إلى التوقف عن إطلاق التصريحات والسعي للسطو على مهام رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وإظهار نفسه كحاكم بأمره. ورغم أن الرئيس سعيد ألمح إلى الغنوشي في أكثر من خطاب بالتزام حده والتحرك ضمن صلاحياته كرئيس للبرلمان، لم يفض ذلك إلى أي نتيجة في ظل مسعى واضح من رئيس حركة النهضة إلى الاستهانة بدور رئيس الجمهورية والسطو على مهامه والهدف هو إظهار تونس جزءا من الحلف التركي القطري في الملف الليبي، وهو الخيار الذي يقف ضده الرئيس قيس سعيد. وفي كلمة سابقة قال الرئيس سعيد إنه “لا يبحث عن خلق الأزمات أو إدارة الأزمات، كما تفعل بعض الأطراف السياسية”، وأنه “لن يسمح لأي طرف بتجاوز القانون أو تجاوز صلاحياته التي منحها الدستور”. وشدد على أن “الدولة التونسية واحدة، ولها رئيس واحد في الداخل والخارج على السواء”. وحمل كلام الرئيس قيس سعيد خلال الاجتماع الثلاثي رسالة واضحة إلى رئيس الحكومة، وإلى الغنوشي بصفته رئيس الحركة التي تحوز على أكثر الحقائب في الحكومة، مفادها أن دور الحكومة ليس الانخراط في الصراع السياسي وإنما تنفيذ الوعود التي رفعتها في البرنامج الذي نالت بفضله الثقة بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية. وأشار المراقبون إلى أن الرئيس سعيد ينأى بنفسه عن تعثر الأداء الحكومي، خاصة أن حركة النهضة بدأت تتبرأ في تصريحات قيادييها من أخطاء الحكومة بزعم أنها “حكومة الرئيس” وهو من يتحمل مسؤولية أدائها وأخطاء رئيسها إلياس الفخفاخ. وأفشلت حركة النهضة التوقيع على وثيقة “عهد التضامن والاستقرار” التي تقدمت بها حكومة الفخفاخ بهدف تنقية المناخ السياسي من التجاذبات التي عمقتها الصراعات الجانبية التي أضعفت التحالف الحكومي الحالي. ويبدو أن حث سعيد على “الإسراع بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية” و”إيجاد حلول لمطالب الشعب في الشغل والحرية والكرامة الوطنية”، هدفه رفع اليد عن الحكومة خاصة في ظل المطالبة باستقالة رئيسها على خلفية شبهات “تضارب المصالح”، وأن الرئيس اختار رئيس حكومة وفق آليات ومعايير دستورية بعد فشل الطبقة السياسية في الاتفاق على شخصية معينة لرئاسة الحكومة، وأنه لم يختر الفخفاخ لينفذ برنامج الرئيس.
مشاركة :