تونس – يُثير توقيت جولة وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، في المنطقة المغاربية الكثير من التساؤلات حول أجندتها الأمنية، وعلاقتها بتطورات الملف الليبي، وشرق المتوسط، فضلا عن الاتفاقات العربية الأخيرة مع إسرائيل. ومن المُقرر أن يصل مارك إسبر، اليوم الأربعاء، إلى تونس، محطته الأولى في هذه الجولة التي ستقوده إلى زيارة الجزائر وأيضا المغرب، ليؤكد خلالها التزام الإدارة الأميركية بأمن المنطقة، إلى جانب مُناقشة القضايا المُشتركة، وسبل تعزيز التعاون ضد التنظيمات المُسلحة. مختار بن نصر: الجولة تثير، مع ذلك، الكثير من الهواجس والتخوفات مختار بن نصر: الجولة تثير، مع ذلك، الكثير من الهواجس والتخوفات وسيلتقي خلال زيارته لتونس مع الرئيس قيس سعيد، وكذلك مع وزيره للدفاع إبراهيم البرطاجي، حيث كشف مسؤول عسكري أميركي أن الهدف من زيارة إسبر إلى تونس هو “تعزيز العلاقات مع هذا الحليف” الذي وصفه بـ”الكبير في المنطقة”، و”مناقشة التهديدات الإرهابية التي تواجه تونس”. وسيتحول مارك إسبر بعد زيارة تونس، التي ستتواصل لمدة يوم واحد، إلى الجزائر التي ينتظر أن يصل إليها غدا الخميس، حيث سيُجري محادثات مع الرئيس عبدالمجيد تبون، على أن يُنهي جولته في العاصمة المغربية الرباط التي سيصل إليها بعد غد الجمعة، لبحث سبل تعزيز علاقات بلاده العسكرية والأمنية مع المغرب. وسعت الإدارة الأميركية إلى التأكيد على أن “مكافحة الإرهاب” هي العنوان الرئيسي المُعلن لهذه الجولة المغاربية، غير أن ذلك لم يُقنع المراقبين الذين رأوا أن هذه الجولة محكومة بأهداف وغايات أخرى ليست بعيدة عن الأجندات الأميركية في علاقة بجملة من الملفات الحارقة التي تؤرق المنطقة. ويبدو الملف الليبي بتشعباته المُعقدة، التي جعلت الدول المغاربية تتحرك على مساحات ليست مرسومة على خط واحد، وتفتقد إلى تقاطعات مُشتركة، أحد أبرز العناوين الخفية لهذه الجولة، لجهة ترتيب الأولويات في علاقة بضبط الأوضاع في ليبيا. وأعرب الخبير العسكري التونسي، العميد المتقاعد مختار بن نصر، عن اعتقاده بأن هذه الجولة تأتي في ظرف تشهد فيه الأزمة الليبية تطورات حثيثة عكستها عودة المحادثات في المغرب، واستقالة رئيس حكومة الوفاق فايزالسراج المُرتقبة، مع تواصل الصراع والتجاذبات والحضور التركي والروسي والمصري في ليبيا. وقال بن نصر لـ”العرب” إن هذه الجولة تأتي في وقت يشهد عودة المعارك والإرهاب بقوة في جنوب الصحراء، والانقلاب العسكري في مالي، إلى جانب أزمة السودان، وتطبيع البعض من البلدان العربية علاقاتها مع إسرائيل، وهي عناوين ستكون حاضرة بقوة. محسن النابتي: جولة إسبر مختلفة في شكلها وتوقيتها ومضمونها محسن النابتي: جولة إسبر مختلفة في شكلها وتوقيتها ومضمونها ورأى أن أهداف هذه الجولة تتمثل في “التأكيد على مواصلة التعاون في مجالات الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب، وفي نفس الوقت جس النبض حول مدى وكيفية تعاطي الدول الثلاث مع قضية التطبيع، وهي مسألة حساسة”. واعتبر في المقابل، أنه “بالرغم من الطابع التطميني لهذه الجولة، فإنها ستثير مع ذلك الكثير من الهواجس والتخوفات، خاصة أنها ستُقرأ على أنها ضغط على هذه البلدان لتتفهم مسألة التطبيع ودعوتها إلى تأييد المسار الذي بدأته دول عربية أخرى”. وتجد هذه القراءة صدى لها لدى محسن النابتي، الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي، الذي قال لـ”العرب” إن جولة إسبر “مختلفة في شكلها وتوقيتها، والأكيد أنها مختلفة في مضمونها”. ولفت إلى أن هذه الجولة “تأتي بعد تغيرات كبيرة حصلت في المنطقة أهمها التواجد العسكري التركي المباشر في ليبيا وما انجر عنه من احتقان في حوض المتوسط، كما أنها تأتي بعد تفاقم عمليات التطبيع”، وأن “لأمريكا دورا كبيرا في ذلك”. وتوقع أن يكون الوضع في ليبيا ضمن أولويات هذه الجولة التي “قد يناقش فيها إسبر أيضا مسألة القواعد العسكرية في ليبيا وتواجد قوات ‘الأفريكوم’ في شمال أفريقيا، وهي فرصة لتونس لتعبر عن رفضها لمثل هذا المشروع الذي ستكون له عواقب وخيمة على مصالح البلاد واستقرار المنطقة”. وأعرب النابتي عن اعتقاده بأن أهمية هذه الجولة “تظهر من خلال الزيارة الاستباقية التي أداها صبري بوقادوم، وزير خارجية الجزائر، إلى تونس وتمت الاثنين، والتي من المؤكد أن لها علاقة مباشرة بجولة وزير الدفاع الأميركي، حيث تبدو الجزائر قلقة من هذه الزيارة وتريد تأمين موقف تونس لأنها لا تملك تأثيرا على بقية الدول المغاربية”. وبين المُعلن والمخفي حول هذه الجولة، ستفتح مع ذلك الباب أمام تكهنات مُتعددة بخصوص أجندتها وأهدافها، ذلك أن الانفتاح الأميركي المفاجئ على دول المغرب العربي في هذا التوقيت بالذات ليس من فراغ، إنما يرسم ملامح مرحلة جديدة بدأت تلوح في أفق المنطقة.
مشاركة :