د. عبد الله الغذامي يكتب: الفلسفة اليوم.. كيف حالها؟

  • 3/6/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لكي نتصور حال الفلسفة اليوم لا بد أن نقف على الصور الذهنية الثقافية عن صعوبة الخطاب الفلسفي وتعقيداته، وهي صعوبة شاعت حول كتاب كانط «نقد العقل الخالص»، وتوالت منتشرةً كفكرة تلازم الفلسفة بمجملها، ونحيل هنا إلى ما عرضه ماركوس وايقولت المترجم الحديث لكتاب «نقد العقل الخالص» ترجمةً إنجليزية حديثة تتلافى تعقيدات الترجمات السابقة، وفي مقدمة ترجمته عرض لذاكرة الكتاب عند قراء كانط منذ يوم صدوره في القرن الثامن عشر، حيث صدم الفلاسفة في زمنه بسبب غموض أفكاره وتعقيدات أسلوبه، وظلت هذه العقدة ملازمة للكتاب رغم ما تحيل إليه سيرة كانط الواقعية في أحاديثه الخاصة ومحاضراته من لين في الخطاب وفي المحاورة، لكن ذلك لا يظهر على الكتاب وكان الكاتب النمساوي روبرت موسيل روى قصصاً عن تجارب عانى أصحابها مع كتاب كانط لدرجة أن أحدهم استغرق نصف ساعة لكي يتجاوز الصفحة الأولى، فقط يتجاوزها وليس مستوعباً لها، وجرب أن يستسلم للقراءة لعله يدخل في جوها لدرجات عانى فيها الغثيان والصداع وتعرق الجبين، وهي حالة يشير إليها وايقولت وللصدمات العنيفة مع القراءة قد تبلغ حد التفكير في الانتحار، وكذلك هي تجارب المحدثين كما كان السالفون مع ذلك الكتاب، وهو ما دفع ماركوس وايقولت لعمل ترجمة إنجليزية عصرية بناها على الترجمة الأولى متتبعاً مآزق الأولى ومعدلاً للصيغ بالمقارنة مع الأصل الألماني، مع توظيف خبرته مع الكتاب وتعقيداته متحرياً تقديمه بلغة إنجليزية تمكن القارئ من الاقتراب للنص، وبالنسبة لي فقد اعتمدت نسخة وايقولت في كل إحالاتي في بحوثي حين أحيل لكانط، وتظل فكرة تعقيدات الفلسفة الوسيطة هي الصفة الملازمة لها، ومن هنا قال برتراند راسل إن هيجل هو أشد الفلاسفة الكبار تعقيداً، وهو وصف لم يقله راسل عن كانط وخص به هيجل، وقد لا نتفق مع راسل في هذا الوصف، ولكن كلمته تعزز التصور العام عن صعوبة الفلسفة وتعقيداتها، وإن كانت الفلسفة في أصلها لم تك معقدة لهذا الحد، فسقراط وأفلاطون وأرسطو لم يكونوا معقدين، ومثلهم كثر في العصور المتعاقبة، وهنا يحضر السؤال عن وظيفة الفلسفة في حياة العصر الحديث، وهو العصر الذي وجد ماركوس وايقولت نفسه فيه محتاجاً لتصحيح مسار ترجمات كانط وإعادة تأسيسها تأسيساً يحاول تجسير الهوة بينها وبين قراء الفلسفة. الفلسفة المتعالية والمنعزلة بصيغتها الكانطية والهيجلية هل ستتأنسن؟ وإن كان وايقولت حاول أن يؤنسن لغة كانط فهل للفلسفة نفسها أن تكسر غلواء القرن الثامن عشر وتحول المعقد إلى إنسانوي وتحول هيجل إلى فوكو مثلاً حين اتجه لتحرير خطابه من سطوة هيجل وإن أحس باستحالة ذلك، لكنه ولا شك تمكن من أن يتكلم ويفكر بلغة العصر وشرطه كما فعل راسل حيث تحرك مع زمن الحداثة بفكر يتسق مع الشرط المعرفي لمعنى أن تكون الفلسفة حية تسير بين الناس كما سارت بين الأسواق متمثلة بسقراط وأرسطو تحديداً. وسأسعى هنا لطرح رؤية حول هذا الموضوع.

مشاركة :