إبداعات البوابة|الوردة الحمراء قصة لـ إبراهيم راشد الدوسري

  • 8/14/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

(١)منذ أن رآها أول مرة تخطر بقوامها الرشيق في أول يوم عمل لها في الشركة التي يعمل بها ويكون من حظه أن تقاسمه غرفة المكتب، بل تكون طاولة مكتبها مجاورة لطاولة مكتبه، منذ ذلك اليوم السعيد ووجهها الجميل لم يبارح عقله، وابتسامتها الرقيقة تحوم كفراشة أمام عينيه، وصوتها العذب الناعم يهز أوتار قلبه، وعطرها يملأ أنفاسه، وطيفها يتهادى أمامه في أحلام يقظته ومنامه، وكان يردد بينه وبين نفسه وهو يتأمل جمالها وهي منهمكة في العمل: شتان بين هذه الفراشة وزوجتي الثقيلة الدم. (٢)اعتاد أن يتسلل من خلف طاولة مكتبه، فيقف قبالتها وهي تتصفح الملفات المكدسة على طاولة مكتبها فترفع رأسها وتنظر إليه بعينيها الناعستين باستغراب ودهشة فيبادرها: يبدو أنك مرهقة من العمل... دعيني أساعدك.. ومن دون أن ينتظر جوابا منها يقوم برفع كل الملفات المكدسة ويضعها على طاولة مكتبه ليقوم بإنجاز أعمالها بدلًا عنها. فتهمس برقة: إني عاجزة عن الشكر.. لقد أتعبتك معي.فيحدق في وجهها وهو ساهم وعيناه تنطقان بما يكنه قلبه من مشاعر الحب والهيام، كان يود أن يهمس إليها: كيف أتعب وقلبي وعقلي أصبحا أسيرين لجمالك؟(٣)مع مرور الوقت بدأ ينفر من زوجته وتتسع الهوة بينه وبينها، أصبح كثير الصمت لا يفكر سوى في زهرته الحسناء التي راح يحلق معها في جنة خياله وأخذ يلوم نفسه ويعاتبها بقسوة: لماذا تسرعت في الزواج؟ لو أني انتظرت لأصبحت هذه الغادة الجميلة من نصيبي. لدي إحساس أنها تبادلني مشاعر الحب، وارتج قلبه حين قفز من عقله المنهك بالأسئلة سؤال مرعب: وما يدريك قد يكون قلبها مشغولًا برجل غيرك؟ فما تشعر به هو مجرد إحساسك ومشاعرك أنت وحدك، أما هي فلم تفصح لك عما يشغل وجدانها، ربما أنت بالنسبة إليها مجرد زميل عمل. (٤)نفض رأسه ليزيح عن عقله ما يفكر فيه من هواجس أخذت تهب كعاصفة تقتلع زهور آماله وأحلامه ولكنه تمالك نفسه ولملم مشاعره وأخذ يفكر في وسيلة يكشف من خلاها عن مشاعر حبه لها، فراح يقدم لها في كل صباح وردة حمراء يضعها فوق مكتبها. ومع كل وردة تتدافع في قلبه أمواج مشاعر الحب، فتعصره رغبة جامحة للبوح لهاعما يكنه في صدره من أشواق ملتهبة وحنين جارف، وظل يتحين الفرصة المناسبة وهو يرتب في عقله ما سوف يبوح به لها من عبارات الحب، الذي ما برح يغير ويضيف ويشطب في كلماتها ويبدأ من جديد يراجع ما سوف يقول فيجد كلامه فضفاضًا، فارغًا أشبه بثرثرة أبله لا يعبر عن مشاعره، تمني لو كان شاعرًا لقام بنظم قصيدة أو موسيقيا لألف مقطوعة يشكو في همسات أنغامها ما يعانيه ويعصر فؤاده وتمني لو كان رسامًا لشرح بلغة الألوان والنور والظلال لواعج أسرار عشقه، أراد أن يكون بوحه أشبه بحفيف أوراق الأشجار حين تداعبها نسائم الربيع أو أشبه بصوت خرير ماء جدول يعانق سيقان شجيرات الورد في حديقة غناء وأرفه الظلال، ظل على هذه الحال حائرا مترددا لا يعرف كيف يرتب أفكاره المشوشة.قال في نفسه: إلى متى سأظل على هذه الحال؟ لماذا لا أعبر لها عن مشاعري وأستريح؟ ليس مهما أن أطيل في الشرح، يكفي أن أقول لها... أني أحبك، وهل الحب يحتاج إلى شرح؟ شعر بارتياح لهذه النتيجة فقرر أن يفاتحها بما توصل إليه، في تلك الأثناء كانت هي تتحدث في هاتفها النقال بصوت هامس ويبدو على ملامح وجهها الاسترخاء والانشراح، وحين أنهت المكالمة، أسندت ظهرها إلى المقعد وسرحت بعينيها، وبدت على شفتيها ابتسامة رقيقة، قال في نفسه هذه أفضل فرصة. - آنسة سعاد... فاجأها صوته فالتفتت إليه وهي مرتبكة: نعم أستاذ أحمد أرجو المعذرة لقد كنت أتحدث مع خطيبي في بريطانيا.. أنه مبتعث من قبل الشركة التي يعمل بها لدراسة الدكتوراه هناك، سوف يعود للوطن في الإجازة.. جمد الكلام في حنجرته، تحجر لسانه في فمه، تسارعت ضربات قلبه، راح يفتش في أدغال عقله عن كلمة، عن حرف، فلم يجد سوى الخواء.

مشاركة :