دعاء الجهيني تكتب: تضارب المصالح.. المفهوم المراوغ

  • 8/16/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في بداية دراستي لمفهوم تضارب المصالحCOI Conflict of Interest كنت أظن للوهلة الأولى أنها قطعًا ظاهرة مرتبطة بالفسادCorruptionوأنها جريمة يرتكبها بعض الأفراد لتحقيق مكاسب خاصة على حساب المصلحة الأساسية للمنظمة.  وبعد التعمق والدراسة والخوض في غمار هذا المفهوم، توصلت إلى أن هذه الظاهرة لا تعكس بالضرورة جريمة فساد! ومن الاطلاع المستمر وجدت أن التفاعل الاجتماعي بين البشر يعكس عدد لا نهائي من سيناريوهات تضارب المصالح. الموضوع أبعد وأعمق من كونها جريمة فساد.  فمفهوم الفساد هو تحقيق مكسب خاص، لكن تضارب المصالح ظاهرة حربائية متلونة تتأرجح بين طرفين موجب وسالب ، ومفهوم أخطبوطي ممتد الأذرع في كل المواقف والمجالات. كيف ؟!John Rawls على سبيل المثال في نظريته حول العدالة الاجتماعية، أكدت احدى فرضياته أن أي تفاعل بين البشر لابد وأن يعكس تضارب في المصالح. والمقصود من ذلك أن البشر بطبيعتهم مختلفين ومتنوعين، كل فئة لديها مطالب تختلف عن الفئة الأخرى، فمصلحة فئة الشباب تختلف عن مصلحة فئة كبار السن، ومصلحة المرضى تختلف عن مصلحة الطالب في قطاع التعليم مثلا.  الاختلاف في المطالب يعني اختلاف نوع المصلحة أو المنفعة التي يجب أن تقدم لكل فئة. المثال الثاني على مستوى التفاعل الاجتماعي بين البشر يعكس تضارب مصالح صحي ومطلوب كما في وضعيات التنافسية ، فالتنافس مطلوب لتحقيق المفاضلة واختيار الأفضل، لو كان المتنافسون متشابهون لما استطعنا تحقيق المفاضلة، إذا فالتضارب في هذه الوضعية مطلب هام وكل متنافس له مصلحة مختلفة عن مصلحة المنافس له.  المثال الثالث هو لوضعية تضارب مصالح طبيعية والتي تظهر في سياق تفاعلنا اليومي مع البشر في سياق الحوار والتشاور حول مسألة ما تعكس خلاف أو اختلاف في وجهات النظر. وقد يحدث تضارب المصالح بين الدول في مجال العلاقات الدولية، لكن تضارب المصالح في هذا المجال أقرب إلى مصطلح الصراع بين المصالح أو الاختلاف في مصلحة دولة عن دولة أخرى، وفي النهاية هو تضارب بين أفراد، فالدولة تتمثل في تفاعل أفراد ويترأسهم فرد له مصلحة تختلف عن مصلحة الفرد الذي يترأس أفراد الدولة الأخرى، ولكل دولة حساباتها. أما عن تضارب المصالح الذي يعرف في المنطقة العربية على أنه فساد، فهو ظاهرة غير مقبولة تظهر في بيئة المنظمات من قبل بعض العاملين بها، ولكن الأصل في تضارب المصالح في الأدبيات الأجنبية هو ظاهرة لا يتشرط بها أن تكون جريمة فساد وقد لا يتحقق منها التربح،وهنا يتضح تأثير "الجغرافيا" على بعض المفاهيم، الأمر الذي يوقعنا في معضلة تحديد هوية وحقيقة مفهوم تضارب المصالح والفرق بينه وبين ظاهرة الفساد.  والسؤال الهام في هذا السياق، لماذا يختلف الفساد عن تضارب المصالح ؟ في الوقت الذي نجد فيه أن كلا المفهومين استخدامهما يعكسان تحقيق مكسب خاصة أو خلل في الامتثال للقوانين والقواعد ! وللإجابة عن هذا التساؤل لابد من تعريف الفساد، فالفساد هو استغلال للسلطة لتحقيق مكسب خاص، لكن تضارب المصالح قد يتحقق منها مكسب خاص وقد لا يتحقق هذا المكسب، فيكون التعارض اسمًا فقط ثم يخضع للتنظيم والضبط حتى لا يتحول إلى جريمة فساد. والأصل في تضارب المصالح أنه علاقة تفاعل Relationshipتظهر في العلاقات المهنية والوظيفية الرسمية بين طرف مفوٍّض وطرف مفوَّض. فالعلاقة بين الطبيب والمريض أو المحامي وموكله أو سائق التاكسي والزبون الذي يريد أن يصل إلى وجهته قد تعكس تضارب في المصالح، ولكن التقييم ونمط التضارب قد يختلف من موقف لآخر.وفي هذا الإطار تسعى سلسلة مقالات "سيناريوهات تضارب المصالح" إلى التعريف بمجال تنظيم تضارب المصالح في المنظمات بكافة أنواعها ومجالاتها. حيث تهدف هذه المقالات إلى عرض قضايا تضارب المصالح التي قرأت عنها أو لاحظتها في إطار تعاملاتي اليومية في المنظمات أو التي سمعت عنها. والهدف هو توضيح الفارق بين ظاهرتي "الفساد"وبين ظاهرة "تضارب المصالح"، وعرض مواقف وقضايا عملية لظاهرة ضارب المصالح ذات الوجوه المتعددة. تأتي سلسلة مقالات سيناريوهات تضارب المصالح للتعريف بمجال تنظيم تضارب المصالح في المنظمات بكافة أنواعها ومجالاتها. حيث تسعى هذه المقالات إلى عرض قضايا تضارب المصالح التي قرأت عنها أو لاحظتها في إطار تعاملاتي اليومية في المنظمات أو التي سمعت عنها.  والهدف هو توضيح الفارق بين ظاهرتي "الفساد"Corruptionوبين ظاهرة "تضارب المصالح" Conflict of Interest. فليس كل تضارب مصالح فسادًا وإما كل فساد هو بالضرورة تضارب في المصالح.

مشاركة :