دعاء الجهيني تكتب: سيناريوهات تضارب المصالح.. الإفصاح (1)

  • 8/20/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تعتمد عملية تنظيم وضعيات تضارب المصالح في المؤسسات على ركيزة الإفصاح disclosing التي تعتبر أحد أهم ركائز هذه العملية، لتجنب تحول ظاهرة تضارب المصالح إلى النمط الفعلي الضار، الذي يوقع الموظف العام تحت طائلة المحاسبة. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هل يعني ذلك وجود تضارب مصالح غير ضار؟! إن مجال تنظيم تضارب المصالح في أصله يقوم على تنظيم المواقف التي توازن بين حق الموظف في أن يكون له مصالح خاصة وبين متطلبات وظيفته الرسمية التي تقوم على الحيادية والامتثال، حيث إن تضارب المصالح في أصله لا يعتبر جريمة أو ينتج عنها أضرار إلا في حالة واحدة، وهي سعي الشخص ليحقق مكسبًا خاصًا، وفي هذه الحالة يتحول من وضع التضارب إلى وضعية الفساد. إذًا ، ضمانًا لتحقيق الحيادية والتوازن من خلال الإفصاح، كيف يكون الافصاح وما الهدف منه؟ الافصاح هو قيام الأفراد بتقديم تقرير رسمي للجهة أو الإدارة المعنية، يعلن بها عن المصالح الخاصة المالية والمعنوية، لضمان تجنب تحول وضعية التضارب إلى النمط الفعلي المعروف في تصنيف تضارب المصالح المتفق عليه دوليًا "بالفساد".  ويقوم الموظف العام أو المسئول بالإفصاح مسبقًا عن مصالحه الخاصة لأنه يكون في حالة تضارب مصالح محتملة، حيث يعكس هذا النمط تعارضا بين المهمة الرسمية للفرد وبين مصالحه الخاصة، ولكنه لا يكون قد حقق مكسبًا خاصًا فعليًا، و إنما يحتمل أن يحقق هذا المكسب في المستقبل، ولهذا السبب يحتم عليه الافصاح لاتخاذ اجراء مناسب.  وهناك مواقف تضارب المصالح يطلق عليه Ad-hoc COI التي يكون بها الشخص على نحو مؤقت، في وضعية يمكن أن تخدم مصالحه أثناء مزاولته مهامه الرسمية، وهي تعتمد على المصالح الخاصة الطارئة، التي تظهر للموظف أو المسئول دون سابق تخطيط، مما يلزمه بحتمية الافصاح وقت ظهور مصالح خاصة مفاجئة.  والهدف من ضبط وتنظيم تضارب المصالح هو احداث التوازن بين حق الموظف أو المسئول في أن يكون له مصالح خاصة أو أعمال تجارية أو عضويات، وبين حق المجتمع في التعامل مع جهات حكومية محايدة ،تحقق الشفافية والنزاهة لخدمة المصلحة العامة. فضبط تضارب المصالح قائم على منطق "التنظيم"Managingوليس "المكافحة" fighting، لتحقيق التوازن بين الطرفين. وتتعدد سيناريوهات الافصاح عن تضارب المصالح في التجربة الكندية من قبل المسئولين الكنديين. ففي عام 2014، في مجلس الشيوخ الكندي، قام العضو "لاري كامبل" متحدثًا بنبرة جافة وجادة، أثناء مناقشة البرلمان الكندي لمشروع قانون C-290 حول المضاربات المالية ، قائلا" أعتقد أنني لدي مصلحة خاصة ستؤثر على مشروع القانون" ثم تنحى من تلقاء نفسه لضمان الحيادية، حيث إنه كان عضوا في مجلس إدارة شركة Greats gaming Group. كما أعلن العضو " بول ماسيكوت" القرار ذاته لأنه كان مرتبطًا بعلاقات مهنية في مجال صناعة سباقات الخيول في كيبيك، متخذًا إجراء التنحي الذاتي لضمان الامتثال والحيادية.  وقد اكتشفت لجنة الأخلاقيات في المجلس، قيام كل من العضوة "بانا مارشنت" والعضو " لاري سميث" بتنحية أنفسهم تلقائيًا من مناقشات مشاريع قوانين متعلقة بالعقاقير الطبية ومجال التخزين والنقل، نتيجة ارتباطها بمصالح خاصة، دون أن تقرر لجنة الأخلاقيات اقصائهم لوجود تضارب في المصالح.  وفي يونيو 2014 أعلن "سيغال" عضو مجلس إدارة Energy Group Inc. and Sun Life Financial Inc، أنه سيتخلى عن عضوية مجلس الشيوخ نظرًا لانشغاله بأعماله التجارية، غير أنه أفصح عن الدخول التي حصل عليها طيلة الـ8 سنوات التي تقلد بها عضوية مجلس الشيوخ، مؤكدًا على أنه حصل على حوالي 2.7 مليون دولار من خيارات الأسهم، وقد أكد أن الجمع بين عضوية مجلس الشيوخ وعضويات مجلس الإدارة في شركات أخرى قد لا ينتج عنها أي تحيز أو تجاوز. ومما تجدر الإشارة إليه، أن التجربة الكندية واحدة من أهم التجارب التي اهتمت بتفعيل إجراءات وآليات تنظيم تضارب المصالح في المنظمات.  وقد كانت حريصة على فهم كافة أنماط هذه الظاهرة وأنواعها، وصياغة مواد وبنود في الأطر القانونية تلزم الموظف الحكومي بالإفصاح عن مصالحه الخاصة ضمانًا للحيادية والتمثيل وتحقيقًا للامتثال. وفي الوقت نفسه، فإن هذا التنظيم يتيح لبعض الأفراد ممارسة أعمالهم الخاصة مع الجمع بينها وبين مناصبهم الحكومية، شريطة الافصاح عن مصالحهم. وحول واقع تنظيم تضارب المصالح في الواقع المصري، فقد أقدمت الحكومة المصرية على تنفيذ خطوات لافتة في هذا الملف، أهمها اصدار قانون 106 لتنظيم تضارب المصالح في 2013، ولهذا القانون قراءة خاصة نؤجل عرضها وتحليلها في المقالات القادمة حول سيناريوهات تضارب المصالح.

مشاركة :