ترتبط مواقف تضارب المصالح عادة في تصنيفاتها التقليدية بتحقيق المكسب المالي أو المعنوي، نتيجة وجود تحيز سلبي من قبل الموظف العام، أدى إلى اتخاذه قرارات غير قانونية وغير أخلاقية تصب في تحقيق منفعته الخاصة، لكن المسألة لا تدور حول المكسب الخاص وحده كمعيار!! فالأصل في تعارض المصالح أنه "علاقة تفاعل" بين طرفين لتحقيق "المنفعة" و "رضاء" المنتفع، ويحدث هذا التفاعل بشكل مباشر أو غير مباشر. فمثلًا، عند قيام مواطن بتخليص تعاملاته الحكومية فإنه يتفاعل مباشرة مع الموظف الحكومي، وعليه أن يقوم الأخير بتقديم الخدمة وتحقيق رضاء المتعامل. وثمة تفاعل آخر غير مباشر بين الموظف أو المسئول وبين المواطن في بعض المجالات أو المستويات، لكن الهدف واحد وهو تحقيق "المنفعة" بكل ما تحويه هذه الكلمة من أبعاد. وفي كل الأحوال، يحتم على الموظف أو المسئول "الامتثال" للقانون وأخلاقيات العمل بما لا يحقق مكسبًا خاصًا غير مشروع، وهذا أمر معروف ومتفق عليه. ولكن أخلاقيات العمل ليست مجرد قواعد جامدة، فالأخلاق دائما ما تنبض بالروح، والأخلاق قيمة على كل المستويات المهنية والاجتماعية والإنسانية. وقد يكون الموظف ممتثل للقانون وملتزم بقواعد الوظيفة، وتغيب عن سلوكه الانتهازية، ولا يطمح لتحقيق مصالح خاصة، وتتواجد حسن نيته، لكنه موظف متعسف في تنفيذ القانون، فظًا في تعامله وفي أدائه الرسمي، وهو ما ينتج عنه ضررًا يوقعه ويدخله في موقف تضارب المصالح من النوع غير المقبول أخلاقيًا، رغم تنفيذه للقانون بحذافيره وتحقيقه مصلحة العمل. وعليه، فإن عملية تقييم تضارب المصالح تقوم على معياري "التمثيل" المحقق للمنفعة، ومعيار الامتثال "المحقق للضبط السلوكي". وإذا حدث قصور في أحد هذين المعيارين يحدث تضارب المصالح بالضرورة. ولهذا السبب، لا يرتبط التضارب بالفساد فقط. فهو "سيناريو" يحدث بين أطراف في موقف ما بأحداث معينة ويحيط به ظروفه وملابساته، وقد يكون التعارض بين أداء الموظف وبين قيم ومعايير أخرى من غير معايير الحياد المهني أو الوظيفي، كالتعارض بين مصلحة الموظف وبين المعايير الانسانية والاجتماعية، رغم تمام امتثاله القانوني. ومن الأمثلة على ذلك، قيام بعض الموظفين الحكوميين بتنفيذ القانون بشكل متعسف، خاصة في مجال إزالة الاشغالات للباعة المتجولين، الأمر الذي يلحق ضررًا بالأشخاص الخاضعين لهذا القانون من قبل منفذيه. ويقوم الموظف في هذا الموقف بدوره الرسمي المكلف به من الحكومة، تنفيذًا للقانون، شريطة عدم التعسف في استخدام القوة أو السلطة. وعلى الجانب الآخر، البائع المتجول له حقوقه كمواطن وحقوقه كإنسان، خاصة وأن درجات التجاوز تختلف من جريمة لأخرى، والبائع المتجول في هذه الحالة لا يعتبر "مجرم"، لذا يحتم أن يكتفى بلومه أو انذاره أو أي وسيلة اخرى تحفظ كرامته ولا تحقق له ضرر. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الموقف، لماذا يصنف موقف الموظف الحكومي على أنه موقف تضارب مصالح؟ يقع الموظف في موقف التعارض بين أدائه في تنفيذ القانون وامتثاله التام له وبين امتثاله للقيم الأخلاقية والاجتماعية والانسانية، على الرغم من عدم تحقيق الموظف لشبهة تربح غير مشروع، وهنا يكون مسمى "تعارض المصالح" قد وُصف به نتيجة حدوث "الضرر" كمعيار في تقييم حالات تضارب المصالح بصفة عامة. ومن هذا المنطلق يقع تضارب المصالح المقبول الضار acceptable and harmful COI !! نعم مقبول وفي نفس الوقت ضار، فهو مقبول لأنه لم يخالف القانون ولم يتحقق منه مصالح خاصة، و ضار لأنه تعارض مع المعايير الاجتماعية والإنسانية، محدثًا خللأً في "الامتثال الأخلاقي" . وعلى الرغم من أن هذا الموظف قد حقق عنصري التمثيل والامتثال القانوني، إلا أنه لم يمتثل أخلاقيًا... عزيزي الموظف أيًا كانت درجة القوة التي تمتلكها بيدك، كن حريصًا على أن تكون "مع" المواطن وليس "على"، محققًا بها التوافق بين مصلحتك وبين المعايير التي تحقق رضاء وخدمة مجتمعك ووطنك، فالتعارض في المصالح رغم اختلاف درجات خطورته يظل "تعارضًا في المصالح" لم يصل إلى التوافق بعد.
مشاركة :