دعاء الجهيني تكتب: 11 سبتمبر سيناريوهات تضارب المصالح (4)

  • 9/10/2020
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

متى يصبح تضارب المصالح ضروريا؟! في أحداث 11 سبتمبر التي هزت الولايات المتحدة، سيناريو جديد يستحق التأمل، والذي يعكس في ثناياه موقفا من نوع مختلف لتضارب المصالح على مستوى العلاقة بين الإدارة الأمريكية والمواطن الأمريكي. فعلاقة "التمثيل" التي تقوم على التوافق بين الطرفين في أصلها تعتمد على مقومات أهمها تحقيق منفعة المواطن ورضاؤه دون المساس بأي حق من حقوقه، وعلى الجانب الآخر تتمثل حقوق الحكومة أو الموظف القائم على خدمة المواطن في مجالات مختلفة بالحصول على حقوقه وامتيازاته كاملة كموظف دون أيضا المساس أو التقصير في حق من حقوقه هو الآخر. وعندما يحدث خلل في أحد مقومات هذه العلاقة، يحدث تضارب المصالح حتمًا. ففي مرحلة ما بعد أحداث الهجوم عام 2001، نجد أن ميزان "علاقة التمثيل" بين الطرفين قد انقلب بسبب قصور مقوم من مقومات العلاقة بين الطرفين نتيجة اتجاه الإدارة الأمريكية وقتها ، لتنفيذ قرار "التجسس" على مكالمات المواطنين الأمريكيين لدواعٍ أمنية "ضرورية". وعليه يكون الخلل قد حدث فعليًا في العلاقة بين الطرفين، ناتجًا عنه "موقف تضارب في المصالح" لكنه من النوع الضروري، الذي يخلو من عنصر تحقيق المنفعة الخاصة المعروف تقليديًا في تقييم مواقف تضارب المصالح بين المواطن والحكومة. وانطلاقًا من هذا السيناريو، يتضح لنا أن مفهوم "تضارب المصالح" مفهوم مرن للغاية، ممتد التطبيقات، مختلف في مستويات تقييمه بين الضروري والاضطراري، والمقبول والحميد، وبين غير المقبول الذي يتضح في صورة "الفساد"، تمامًا مثل اختلاف تعريف مصطلح "الصالح العام" public Interest الذي يصعب ايجاد تعريف دقيق له. ففي سياق أحداث 11 سبتمبر، كان لمصطلح الصالح العام رصد خاص من قبل أحد المفكرين الأمريكيين تُدعى Paula Gordon ، التي ظلت تراقب تطور هذا المصطلح في أداء الإدارة الأمريكية منذ عام 1975 وحتى ما بعد أحداث الهجوم في سبتمبر، مؤكدة على اختلاف تطبيق وتحقيق "قيمة الصالح العام" طبقًا لاختلاف الظروف والمراحل الزمنية التي تؤثر على خط سير العلاقة بين الإدارة الأمريكية والجمهور الأمريكي. اللافت في الأمر، أن قرار التجسس من قبل الإدارة الأمريكية مازال معمولا به حتى الآن، ودخل في خطوات جادة ضمن عملية التعديل القانوني في قانون الحريات المدنية، ليتم اضافة تعديلات جديدة في هذا القانون، وتقنين هذا القرار بشكل رسمي ليتيح للإدارة الأمريكية الاستمرار في عملية المراقبة السرية الالكترونية لضرورات أمنية، تحقق أغراض الاستخبارات الخارجية، وخاصة في ظل توجه الحكومات حول العالم نحو تفعيل آليات مكافحة التطرف والإرهاب والتهديدات الخارجية. وفي هذا السياق، يكون توصيف بعض المواقف من هذا النوع، والتي تحمل قصورا في "الامتثال" من جانب الطرف الممثل هو "تضارب في المصالح" والنمط هو نمط ضروري. الجدير بالذكر أن تقنين هذه الخطوة سيحول استثناء "المراقبة السرية" إلى قاعدة، ومن ثم تصبح العلاقة في هذه الحالة خالية من وصف "تضارب المصالح" وتعود علاقة التمثيل مرة أخرى إلى سابق عهدها دون تضارب يذكر أو يوصف. وقياسًا على هذا السيناريو، تحدث سيناريوهات مشابهة في علاقة الموظف بالمواطن والطبيب بالمريض والمحامي بموكله، وخلاصة القول، إن سلسلة التفاعلات بين البشر ستظل تفرغ من محتواها أنماطا متعددة من تضارب المصالح، تبعًا لاختلاف الظروف التي تحكم تفاعلاتهم.

مشاركة :