في المبادئ الأساسية لتنظيم تضارب المصالح في المنظمات يتم تنظيم قبول "الهدية" gift وفق قيمة هذه الهدية وأهدافها ودوافعها لدى المستقبل "الموظف". والهدية بصفة عامة لها تأثير كبير على عاطفة المتلقي، والتي قد تميل به نحو تحيز غير مقبول من شأنه احداث ضرر على أدائه وحياديته وموضوعيته، حتى وان كانت هذه الهدية لا قيمة لها او ليس لها ثمن. فالهدية بصفة عامة هي أحد العناصر التي تندرج تحت بند المصالح الخاصة في عمليات تنظيم تضارب المصالح، والتي من شأنها أن تؤثر على أداء الفرد في المنظمات وتجعله يتخذ قرارًا غير أخلاقي لصالح طرف ما. غير أن الهدية بطبعها ذات تأثير معنوي تبعث إلى نفس الأفراد شعورا معنويا تجعله أكثر ودًا مع من قدم له هذه الهدية. وفي الغالب ترتبط الهدية بالقيمة ، فمعروف أنه كلما زادت قيمة الهدية زاد استمالة الشخص وتحيزه لمقدم الهدية! ورغم صحة هذه العلاقة الطردية، إلا أنه في بعض المواقف لا يشترط أن تكون قيمة الهدية الباهظة وسيلة للتأثير على نزاهة وموضوعية الشخص في موضع الحكم. فمن روائع قصص الخلفاء والأمراء ، قصة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز عندما اشتهى تفاحًا، والتي تلقي بدروس مستفادة في عهدنا الحاضر والحديث لتنظيم سلوكيات الأفراد ومنع التحيز بنوعيه السلبي والإيجابي، حتى لا تتأثر موضوعية الشخص خاصة عندما يكون في موضع حكم ومنصب قضاء بين الخصوم. فقد أهدى رجل لعمر بن عبد العزيز تفاحًا، وكان هذا الرجل موضع خصومة من أحدهم، وكان أمير المؤمنين آنذاك في موضع حكم للقضاء بينه وبين خصمه، وعندما تناول منه التفاح قال حينها عمر بن عبد العزيز"ما أطيب ريحه وأحسنه، ارفعه يا غلام للذي أتى به وأقرئ فلانا السلام وقل له إن هديتك وقعت عندنا، حيث نحب" فقلت: "يا أمير المؤمنين، ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية"، فقال: ويحك إن الهدية كانت للنبي صلى الله عليه وسلم هدية، وهي لنا اليوم رشوة. وفي عهدنا الحديث، تقوم الخبرات الدولية بتحديد قيمة الهدية في مواد قانون تضارب المصالح، ففي التجربة الكندية على سبيل المثال، يضمن قانون الولايات الكندية لتنظيم سلوكيات العاملين في الادارة المحلية بند قبول الهدايا ،وعلى الرغم من حظر قبول الهدايا إلا أن التجربة الكندية كانت قد وضعت استثناءات محددة لقبول أنواع معينة من الهدايا. حيث إن القانون الكندي وسياسات المنظمات اعتنت بتنظيم قبول الهدايا غير الضرورية undue benefits ، فضلا عن تنظيم ما يسمى بالأشياء المجانية Free Stuff. ويحظر الكود الكندي قبول الهدايا الخارجية أو أي منافع مالية مقدمة للموظف، حيث يحدد القانون الكندي سعر الهدية بـ 200 دولار كندي كحد أقصى للموظف العام ، وللوزراء والمسئولين الذين ليسوا أعضاء في البرلمان و500 دولار للنواب. وقد يقبل الموظف العام الهدايا والمنافع التي تتجاوز هذه القيمة المحددة ويحتم عليه الافصاح عنها حتى تلك الهدايا التي تكون ضمن المعايير المعروفة وفي نطاق المجاملة أو البروتوكولات. كما قرر المفوض الاخلاقي الكندي تخفيض قيمة الهدايا إلى 30 دولارًا. وهناك بعض المنظمات العامة الكندية التي تحدد قيمة الهدايا التي لا تزيد عن 100 دولار وقد لا تزيد عن 50 دولارًا في قطاعات أخرى. وقصارى القول، أن الراجح في عملية تنظيم قبول الهدايا في مجال تنظيم تضارب المصالح لابد وأن يمنع قبول الهدية حتى وان كانت على سبيل المجاملة أو دون أهداف مقصودة، فالتحيز والميل الانساني لا يمكن السيطرة عليه، وقد يحدث التحيز بشكل لا واعي حتى دون تأثير مباشر من تلقي الهدية، أو حتى مع قبول هدية لا قيمة لها ماديًا عن بعض الأفراد.
مشاركة :