الانتخابات المبكرة تتصدر سيناريوهات الحل في لبنان | | صحيفة العرب

  • 8/17/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إجراء انتخابات نيابية قد يكون الحل الأكثر واقعية بالنسبة للكثيرين في لبنان للخروج من الأزمة، لاسيما مع صعوبة تشكيل حكومة وحدة وطنية في ظل التباينات الداخلية والتحفظات الشعبية التي تتلازم مع حسابات معقدة للقوى الخارجية. بيروت – عاد خيار إجراء انتخابات نيابية مبكرة في لبنان ليطرح بقوة مع تراجع حظوظ تشكيل حكومة وحدة وطنية، في ظل تحفظات قوى سياسية محلية، ورفض الشارع اللبناني لهذا الخيار الذي يعتبره إعادة إنتاج لنفس الإدارة التي كانت السبب في وصول لبنان إلى هذا الوضع غير المسبوق منذ نهاية الحرب الأهلية (1975 – 1991). وتقول دوائر سياسية إن المفاوضات الدائرة خلف الكواليس والتي تجري برعاية دولية ولا تخلو من حسابات إقليمية تشهد على ما يبدو تعثرا، وربما هذا من الدوافع التي جعلت البعض، يتقدمهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، يتحرك مجددا باتجاه إعادة طرح خيار الانتخابات المبكرة. وعقب انفجار بيروت المدمر في الرابع من أغسطس والذي أدى إلى وقوع العشرات من القتلى والآلاف من الجرحى، فضلا عما خلفه من دمار هائل في العاصمة اللبنانية، سارعت قوى سياسية يتصدرها حزب القوات اللبنانية إلى الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة. وحرص زعيم حزب القوات سمير جعجع على التسويق لهذا الخيار وأجرى اتصالات مكثفة لاسيما مع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، بيد أن موقف الثنائي غلب عليه التردد بانتظار ما ستسفر عنه التحركات الدولية التي دخلت بقوة على الخط منذ اللحظة التي أعقبت الانفجار. وتقول الدوائر اللبنانية إن القوى الغربية لاسيما الولايات المتحدة لم تكن معارضة لتشكيل حكومة وحدة للحيلولة دون الانهيار التام لهذا البلد، الذي عمق الانفجار جراحه الاقتصادية والسياسية، إلى حين حصول تفاهمات يجري بحثها تحت الطاولة حول الصراع اللبناني – الإسرائيلي والأميركي – الإيراني، لكن يبدو من خلال تصريحات الموفد الأميركي ديفيد هيل الذي زار لبنان نهاية الأسبوع الماضي أن الأمور لا تجري بالشكل المرجو. ودعا البطريرك الماروني في قداس الأحد إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة في لبنان وتشكيل حكومة إنقاذ بدلا من “الطبقة السياسية” الحاكمة. قوى سياسية تتبنى خيار تغيير النظام الانتخابي الحالي قبل إجراء الاستحقاق النيابي، وهذا يتطلب وقتا طويلا قد يمتد سنوات وقدمت حكومة حسان دياب استقالتها قبل نحو أسبوعين على خلفية احتجاجات غاضبة بسبب الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت نتيجة تخزين الآلاف من الأطنان من مادة نترات الأمونيا بطريقة غير سليمة، وأسفر عن مقتل أكثر من 177 شخصا وإصابة ستة آلاف وخمسمئة شخص وشرد 300 ألف شخص. وقال الراعي “لبنان اليوم يواجه أعظم الأخطار. ولن نسمح بأن يكون ورقة تسوية بين دول تريد ترميم العلاقات في ما بينها، على حساب آلام الشعب اللبناني“. ويحظى الراعي بنفوذ كبير في لبنان بصفته بطريرك الموارنة حيث يجري اختيار رئيس الجمهورية من أبناء الطائفة المارونية بموجب نظام تقاسم السلطة بين الطوائف المعمول به في البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية. ودعا الراعي إلى “وجوب البدء فورا بالتغيير، مسرعين إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، من دون التلهي بسن قانون جديد، وإلى تأليف الحكومة الجديدة”. واستقال عدد من النواب بسبب انفجار المرفأ لكن عددهم لا يكفي لحل البرلمان، وترى قوى سياسية بضرورة تغيير النظام الانتخابي الحالي قبل إجراء الاستحقاق، وهذا يتطلب وقتا طويلا قد يصل لسنوات. ويمنح الدستور الحق للرئيس ميشال عون بتكليف المرشح الذي يحظى بالدعم الأكبر من الكتل النيابية لتولي منصب رئيس الوزراء. ولم تفصح الرئاسة بعد عن موعد إجراء المشاورات، في غياب التوافق على الشخصية التوافقية وعلى شكل الحكومة وتركيبتها. وثمة جهود دبلوماسية غربية وإقليمية حثيثة بعد الانفجار الذي أدخل لبنان في فراغ سياسي وأجج الغضب من السياسيين المتهمين بالفساد وسوء الإدارة. وعصف الانهيار الاقتصادي بالليرة اللبنانية وحال بين المودعين وأموالهم. وربط مسؤولون غربيون كبار زاروا لبنان بين أي مساعدات مالية خارجية وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منذ وقت طويل بما في ذلك سيطرة الدولة على المرفأ والحدود. وقالت إيران، التي تعتبر طرفا رئيسيا في لبنان من خلال دعمها لجماعة حزب الله الشيعية التي كانت لها اليد الطولى في تشكيل الحكومة المنتهية ولايتها، إنه ينبغي للمجتمع الدولي عدم استغلال معاناة لبنان لفرض إرادته. وشدد الراعي في عظته على أن الشعب اللبناني يريد حكومة “تنقض الماضي بفساده الوطني والأخلاقي والمادي وتطبق الإصلاحات”. وأضاف “الشعب يريد حكومة إنقاذ لبنان لا إنقاذ السلطة والطبقة السياسية”. ولا يزال لغز الانفجار يلقي بظلاله على المشهد اللبناني، وسيبدأ القاضي العسكري في بيروت فادي صوان اليوم الاثنين فحص تقرير حول الانفجار الكارثي، وتحديد من قد يواجه اتهامات. وقال الرئيس ميشال عون إن التحقيق سيتحرى ما إذا كان الإهمال أو حادث أو “تدخل خارجي” هو السبب في انفجار أكثر من ألفي طن من مادة نترات الأمونيا كانت مصادرة في المرفأ لسنوات دون إجراءات سلامة. وأضاف لقناة “بي.أف.أم” الإخبارية الفرنسية السبت أن التحقيق سيستغرق وقتا لأن “الحقيقة متشعبة بعدة فروع أكثر مما كان يتصور القضاة”. وأشار إلى أن بيروت طلبت من فرنسا ومكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي المساعدة في التحقيق. وأكد وكيل وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد هيل خلال زيارته إلى بيروت أن ضباط مكتب التحقيقات الاتحادي سيصلون مطلع الأسبوع. ولئن يحمل الشارع اللبناني مسؤولية الانفجار للطبقة السياسية ككل بيد أنه يخص بالذكر حزب الله الذي لطالما استغل مرفأ بيروت عسكريا وتجاريا. وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على حزب الله، الذي تصنفه منظمة إرهابية. وقال مسؤولون أميركيون إن تلك العقوبات قد تمتد متجاوزة المنتسبين بشكل مباشر لحزب الله إلى حلفائه. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أثار خلال زيارة لبيروت عقب الانفجار احتمال فرض عقوبات كخيار أخير لدفع لبنان نحو الإصلاح. ووجه مدعي عام التمييز في لبنان اتهامات إلى 25 شخصا بينهم مسؤولون كبار في مرفأ بيروت والجمارك والأمن.

مشاركة :