"الآباء كاسحو الثلوج" حجر عثرة أمام تطور أبنائهم | | صحيفة العرب

  • 8/19/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لفت الخبراء إلى أن اعتماد الأطفال على ذويهم في تلبية احتياجاتهم والاهتمام بشؤونهم أمر طبيعي، مشددين على ضرورة أن لا يتناقص هذا الاعتماد مع تقدم الطفل في العمر لصالح اعتماده على نفسه، بدءا من طعامه وشرابه مرورا بحفاظه على صحته ونظافته ثم الاهتمام بشؤونه ووظائفه مثل دراسته وواجباته حتى يصل في النهاية إلى مرحلة يصبح فيها لا يعتمد إلا على نفسه فقط بل أيضاً يوجد من يعتمد عليه ومن واجبه العناية به. برلين - يحرص الكثير من الآباء والأمهات على التدخل سريعا لمساعدة أبنائهم على أداء جميع المهام الخاصة بهم مهما كانت بسيطة، كأن يتدخلوا خلال معاناتهم في ارتداء ملابسهم بأنفسهم، على سبيل المثال، وقد يقوم الأب بسحب الجورب لجعل العملية كلها أسهل وأكثر سلاسة، أو عندما يتشاجر الأطفال، سرعان ما تتدخل الأم. ويطلق أخصائيو التربية مصطلح الآباء كاسحو الثلوج على هذه المساعدة حسنة النية، حيث يمهدون الطريق أمام الطفل حتى لا يعترض طريقه أي شيء. ويقول الخبراء إن هذا غير مفيد على الإطلاق ويمكن أن يقلل إيمان الطفل في قدراته على حل المشاكل. وأوضح المعالج النفسي رالف شليفينتس أن الأطفال يمكن أن يشعروا بالاطمئنان إذا ما أصلح الآباء كل مشاكلهم، مضيفا “ولكن في النهاية هذا النوع من السلوك لن يساعد الطفل على التطور، ولن يساعده على أن يصبح قادرا على حل المشاكل، وخاصة عندما تكون كبيرة، فالحياة مليئة بالتحديات”. وأشاروا إلى أن الأطفال الذين يتغلبون على التحديات بأنفسهم يشعرون بالفخر والسرور. ودون هذا الرضا قد ينمو الطفل قلقا وساخطا، موضحين أنه غالبا ما يريد الصغار فعل الأشياء بأنفسهم، وأحيانا يمكن لطموحهم أن يخرج عن السيطرة قليلا. ولكن الآباء الذين يقيدون هذه النزعة سوف يجدون أطفالهم قد صاروا أقل اعتمادا على النفس. وأفاد الخبراء أنه لا يمكن للآباء البدء مبكرا للغاية بالسماح للصغار بفعل أشياء دون مساعدة. وعلى سبيل المثال يمكن مساعدة الأطفال على الطهي وبالطبع في مهام ملائمة لتطورهم، بحسب أولريك ريتسر زاكس وهو مستشار توجيه تربوي. وأوضح “لن تعطي طفل في الثالثة من العمر سكينا حادا، ولكن قد تسمح لطفل في الخامسة من العمر بتقطيع الأشياء”. وأكدوا أن تعليم الأطفال الطهي في الصغر يعتبر طريقة رائعة لتقوية روابط الأسرة والتقريب بين أفرادها، وذلك من خلال قضاء بعض الوقت معاً، مما يعمل على تطوير خيالهم وإبداعهم. ونصحوا بجعل هذه العادة حدثاً منتظماً، من خلال تكريس ساعتين أسبوعياً يقضيها الوالدان مع أبنائهما في المطبخ، والبدء بالوصفات البسيطة، وشرح طريقتها. مسألة إشراك الأطفال والسماح لهم بالقيام بالأشياء بأنفسهم تظل مهمة خلال مرحلة التطور الكامل للطفل ولفتوا إلى أن ترك الأطفال يقومون بإعداد وجبات الغذاء والوجبات الخفيفة التي يأخذونها معهم إلى المدرسة، مثل تقطيع الفاكهة أو إعداد الساندويتشات أو خبز الفطائر، وسيلة لتطوير إحساسهم بالاستقلالية الذاتية، وجعلهم أكثر حساً بالمسؤولية، بالإضافة إلى تنشيط حواس اللمس والذوق. كما كشفت الدراسات الحديثة أن تعلم الأطفال الطبخ منذ الطفولة من خلال التحدث معهم عن الطعام الصحي، يجعلهم ينمون على حب الأكلات المغذية وتكوين موقف إيجابي تجاهها، مبينة أن إحساس الأطفال أنهم أحرار في تجربة المطبخ، ولديهم القدرة على امتلاك الأدوات والمهارات اللازمة للقيام بذلك بأمان يجعلهم ينمون وهم يشعرون بالثقة بأنفسهم وبقدراتهم. وقال ريتسر زاكس الذي يعمل لصالح هيئة الاستشارات الإلكترونية في الرابطة الألمانية للاستشارات التربوية، إن مسألة إشراك الأطفال والسماح لهم بالقيام بالأشياء بأنفسهم تظل مهمة خلال مرحلة التطور الكامل للطفل. وأوضح الخبراء أن هذا يعني أن لا ينتظر الآباء والأمهات حتى يصبح الصغير مراهقا ليسمحوا له بفعل الأشياء دون مساعدة، منبهين إلى أن هذا سيجعل من الأمر متأخرا للغاية. وأكد شليفينتس “في النهاية يحتاج الآباء إلى التفكير في أن كونهم كاسحو الثلوج هو أسهل خيار”، ويقول إن الأمر لن يكون سهلا هكذا للأبد، ففي مرحلة ما سوف ينتهي بالمطاف بالآباء قائلين “لن أصلح ما أفسدته، وقد يسألون أنفسهم حينها هل قيامهم دوما بتسهيل الأمور على أطفالهم كان يستحق الوقت الذي تم توفيره؟”. وتلجأ بعض الأسر إلى المبالغة في تلبية جميع رغبات ابنها البكر أو الوحيد خاصة والدفاع عنه والقيام بمهامه وواجباته الخاصة، ليجعل أسلوب التربية هذا الطفل يرى أنه لا داعي ليتعب نفسه بأي شيء فيمكنه ترك واجباته ليقوم بها ذويه بدلا عنه وينصرف للتسلية واللعب والراحة. قيام الآباء والأمهات بكل الأمور الخاصة بالطفل يفاقم سلوك التواكل والكسل المبالغة في مساعدة الطفل ينمي بداخله التواكل وأكدوا أن قيام الآباء والأمهات بكل الأمور الخاصة بالطفل يفاقم سلوك التواكل والكسل أو الخمول وعدم الاهتمام بالوجبات، وتجعله غير قادر على مواجهة مصاعب ومتطلبات الحياة بمفرده، ويتربى على انتظار مساعدة المحيطين به دائما في القيام بواجباته، مما ينمي بداخله التواكل. ونبهوا إلى أن أبناء الآباء كاسحو الثلوج يتربون بطريقة تجعلهم غير قادرين على تحمل المسؤوليات حتى الشخصية منها، مما يجعلهم غير مبالين في جميع مناحي حياتهم، موضحين أن الكثير من الآباء والأمهات يبالغون في الدفاع عن أطفالهم وحقوقهم ويدخلون في الكثير من الأحيان في اختلافات وخصومات مع كل شخص يرون أنه أساء للطفل، ويؤدي هذا الأسلوب في الدفاع المستميت عنه إلى عدم قدرته على الدفاع عن نفسه وعجزه عن التصدي لكل من يؤذيه، معتمدا على تدخل الأهل الذين يزرعون فيه من خلال تصرفاتهم هذه الخوف والجبن ويجعلونه عرضة للتنمر من المحيطين به. وأكد أخصائيو علم نفس الطفل أن ما يعترض طريق الطفل من صعوبات في تلبية حاجاته أو مشكلات تعيق رغباته وأهدافه هي أشياء ضرورية حتى يتعلم الطفل مهارات حل المشكلات وكيف يفكر ليجد الحلول لها، وإذا أخذ عنه والداه هذه المهمة فسوف يصبح عاجزا عن القيام بأي شيء وحده وضعيفا أمام أي صعوبة تواجهه سواء داخل المنزل أو في المدرسة، ويكبر عجزه كلما تقدم في العمر وتفاقمت المشكلات التي تعترضه. كما بينوا أن الإفراط في القيام بحاجيات الطفل نيابة عنه تصيبه باضطراب التعلق المرضي بالأبوين، حيث أنه لا يستطيع الابتعاد عنهما مما يسبب معاناة له ولأهله سواء عند دخوله المدرسة أو انشغالهم بواجبات أخرى، ولفتوا إلى أن حياة الطفل الاتكالي مليئة بمواقف الإحباط وخيبات الأمل فهو عندما يضطر للقيام ببعض الأشياء وحده غالباً ما يفشل كونه لم يعتد على هذا ولم يكوّن خبرات سابقة وبالتالي سوف ينتج عن شعوره بالفشل شعور بالإحباط وخيبة الأمل. ونصح الخبراء بعدم المبالغة في مساعدة الطفل في القيام بواجباته المدرسية في المنزل، لأن ذلك يعوّده على الاعتماد على الآخرين وليس على نفسه. وفي المدرسة يعاني التلاميذ الذين يحظون بمساعدة ودعم الآباء في المنزل من عدم القدرة على التجاوب السريع مع واجباتهم الدراسية.

مشاركة :