خواطر تقرع الأجراس / من يجرؤ على النشر؟ | ثقافة

  • 7/29/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ظاهرة محيِّرة في ثقافتنا: الخوف والحذر من نشر أي موضوع صريح وموضوعي يتعلق بالمحرمات الثلاثة: الدين والجنس والسياسة. بل ينحصر الخوف أحياناً من نشر كلمة واحدة قد تثير ثائرة جهةٍ ما في المجتمع. والظاهرة المحيِّرة هنا أنك تقرأ في أهم كتب الثراث ما لا يجرؤ الناشرون الحديثون على نشره، إلا المغامرين منهم. وهذه الكتب التراثية منشورة ومتوافرة للبيع والتداول. والناشرون هم مؤسسات رسمية وبتمويل رسمي، وبإشراف هيئات علمية مرموقة. ومثال ذلك كتاب الأغاني للأصفهاني بمجلداته الأربعة والعشرين. وقارئ الكتاب يعرف ما فيه من أشعار خارجة على الذوق واللباقة واللياقة... والأدب! وحجة السماح بالنشر أن هذا تراث منقول، ولا يجوز العبث به ! وأحيل القارئ مثلاً إلى ترجمة أبي نواس وبشار بن بُرْد... وغيرهما، وكذلك إلى دواوينهما. أمامي ديوان ابن الرومي، في ستة مجلدات من إصدار مركز تحقيق التراث، الهيئة المصرية العامة للكتاب، اقرأ الآن قصيدة هجاء مقذِع تجاوزت ستة وثمانين بيتاً في هجاء... البحتري ! طبعاً من المحال الاستشهاد هنا بأي بيت أو شطر أو حتى كلمة ! والديوان موجود في الأسواق ويشتريه القراء، والطلاب... والطالبات! اقرأ فقه اللغة للثعالبي في الأبواب المحرمة اليوم؛ ستُصعّق. وحجة النشر والتداول: إنه تراث! واقرأ (للإمام) جلال الدين السيوطي كتاب (نزهة الجلساء في أشعار النساء)، وفيه من الإقذاع ما يندى له الجبين. وقد حذف المحقق أو الناشر بعض الألفاظ والأشطر الشعرية من المتن، وهي خيانة في التحقيق العلمي. والمعروف أن للسيوطي ثروة ضخمة من كتب التفسير والفقه والحديث والتاريخ الإسلامي... ومن بينها كتاب لا يمكن حتى ذكر عنوانه! ابحثْ عنه. وأنا أحيل القارئ إلى روايات هنري ميلر المترجمة إلى العربية والمنشورة في لبنان وسورية ليقشعر بدنه، ويشرئب شعر رأسه ولو كان أصلع! نشْر التراث، والكتب المترجمة، مهما كانت مقذعة، أمر مسوَّغ ومباح. لكن النشر في الصحيفة اليومية له خطوطه الحمراء المطلقة. في الأدب العالمي، قبل عصر التحرر والتنوير، كثير من الاضطهاد الفكري بسبب نشر ما يخدش الحياء، تحت سطوة الكلاسيكية - الاتباعية. ومن الكتّاب الذين لاقوا الاضطهاد الفكري والمحاكمة، بسبب المسألة الجنسية- الأخلاقية غوستاف فلوبير في روايته (مدام بوفاري)، الذي اتُّهم فيها بأنه يصيب المجتمع بالجذام الخلقي!... كذلك د. هـ. لورنس، خصوصا في روايتيه (أبناء وعشا ق) و(عشيق الليدي تشاترلي) وكان يرى في الجنس رمزاً للتحرر من القيود الكاذبة. نظر حوله فرأى المجتمع يرسف في أغلال الأكاذيب الخلقية والمواقف التقليدية الجامدة التي يداري بها الناس عريهم الأخلاقي وانغماسهم السري في شرور يتبرؤون منها علانيةً. وهناك الشاعر الرجيم بودلير وأشعاره الجريئة المتمردة على العُرف الأخلاقي. وأوسكار وايلد. ومن سطوة مقاييس الكلاسيكية الصارمة الهجوم على شكسبير لعرضه منديل ديمونا النسائي علانية على خشبة المسرح كشاهد إثبات على الخيانة في مسرحية عطيل؛ لأنه لم يراع مبدأ الذوق واللياقة الذي كان سيفاً مصلتاً على رؤوس الكُتّاب وأقلامهم وألسنتهم. أخيراً؛ يبدو أن العصر العباسي في تاريخ الفكر والأدب كان عصر عولمة، ومنفتحاً أكثر منا اليوم. فتجرّأ الشعراء في نشر غير المباح، في عصر كان فيه للدين والفقهاء سطوة ومكانة. والموازنة بين عصرنا وحركتنا الثقافية، من هذه الزاوية، وبين ذلك العصر تدعو إلى العجب والبحث الاجتماعي والإعلامي والفكري والنفسي... لكن للمقص شفرات حادة تقص الحرف... واللسان! * كاتب سوري

مشاركة :