خواطر تقرع الأجراس / سقراط العربي... كابوس فلسفي | ثقافة

  • 8/5/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عندما يسألك طفلك عن الله كيف شكله، ومن خلقه...؟ وعن الموت: أين ذهبت أمي؟ فهو يتساءل فلسفياً. وعدم الإجابة أو تأجيلها أو قمع السؤال دفْنٌ للنزعة الفلسفية الفطرية. لهذا لا يوجد لدينا اليوم فلسفة عربية، ولا فلاسفة عرب، بل مدرّسون للفلسفة ومترجمون لها؛ بسبب قمع النزعة الفلسفية منذ الطفولة، والتهكُّم: لا تتفلسف علينا! (سقراط) أول وأعظم مدرّس للفلسفة في الأسواق. كانت السوق هي الأكاديمية الفلسفية التي أراد أن يدْرس فيها كل مواطن في أثينا... مجاناً. كان يستقطب المثقفين والشباب والعامة إلى زوايا أروقة المعابد الأثينية في الشوارع ثم يولّد المعاني والأفكار الفلسفية منهم عبر الحوار السقراطي الشهير. ألم تكن أمه قابلة أو داية تولّد النساء؟!. فإذا ورد لفظ العدالة أو الحرية أو الديموقراطية على لسان أحدهم سأله: وما الحرية ؟ وما العدالة والديموقراطية؟ وهكذا يستدرج محاوريه فلسفياً عبر الحوار لإثارة الفكر وتحديد المفاهيم وإغناء التفكير الفلسفي. وكان لا يعترف بأنه يعرف: «إنني أعرف شيئاً واحداً وهو أنني لا أعرف شيئاً». فالمعرفة لا حدود لها. ويجب البحث عنها باستمرار عبر (اللاأدريه). كان سقراط خطيراً على النخبة الأرستقراطية المستبدة في أثينا بفلسفته الحوارية المثيرة حول المعتقدات السياسية ونظام أثينا وآلهة الإغريق... فكان لا بد من الخلاص منه؛ فحوكم بتهمة إفساد عقول الشباب، والتهجم على الآلهة! وأُعدم بتجرُّع كأس السم. فكان أول شهداء الفلسفة. وفي عصرنا الحالي يبرز فيلسوف فرنسي- سقراطي (مشيل أونفري). حصل على دكتوراه الفلسفة وعمره سبعة وعشرون عاماً. من مواليد 1959وألف حتى الآن أكثر من ستين كتاباً ترجم معظمها إلى أكثر من ثلاثين لغة. وله في لغتنا العربية كتاب واحد !؟( بحث في علم الإلحاد) بترجمة المغربي مبارك الفروسي. أين أنت أيها الخليفة المثقف المأمون؟ أين (دار الحكمة) التي فرّغت فيها الفلاسفة والعلماء والمترجمين للإبداع؟ ليتك تعلم مشاغل (خلفائنا) اليوم؟ والأفضل ألاتعلم! ميشيل أونفري استقال من مهنة تدريس الفلسفة. وأسس جامعة فلسفية مجانية باسم الجامعة الشعبية تحت شعار «الفلسفة للجميع». ولها أربعة فروع اليوم. فلسفته ليست ثرثرة ميتافيزيكية أكاديمية جوفاء، بل فلسفة الحياة والإنسان وكل ما له صلة بحريته وكرامته وسعادته و(عبقرية المتعة) بحسب عنوان كتاب له. أسس الجامعة المجانية عام 2002 مع أصدقاء مثله. طلابها عشاق فلسفة وفن وتاريخ. ليس هناك شروط للانتساب. لا شهادة تعليمية. حتى لا شرط لمعرفة القراءة والكتابة! يريد أن يولّد الفلسفة من العقول كما ولّدها سقراط. ميشيل أونفري يساري ليبرالي. واليسار الليبرالي الفرنسي يهاجمه. وكذلك اليمين المتطرف والشيوعيون وأتباع الديانات السماوية... تماماً كما كان الحال مع شهيد الفلسفة الأول سقراط؛ لأن كل هؤلاء- في رأيه- يدّعون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، ويعادون أو يقتلون من يتمرد عليها، أو عليهم! في صيف كل عام تبث قناة فرنسا الثقافية الإذاعية فصولاً من كتابه (دروس في التاريخ المضاد للفلسفة). ماذاعن فحيح إذاعاتنا؟! أين التفكير الفلسفي اليوم في ثقافتنا المعاصرة، وفي جامعاتنا ومدارسنا الثانوية؟: دروس سفسطة!. ومن دون إحصاء نقول- من معرفة عدد الفلاسفة العرب اليوم وتأثيرهم في الفلسفة العالمية!-: لا تستهينوا بالفلسفة. لا تقولوا: لا تتفلسف علينا! والله هذا ماكان ناقصنا! هل يظهر سقراط عربي،أوميشيل أونفري عربي، يمشي في الأسواق يحاور الناس ويدرّسهم الفلسفة مجاناً؟ حلم فلسفي. بل كابوس فلسفي!. وويل لك يا سقراطنا، ويا (ميشيلنا) من حكام أثينا العربية... فكأس السّم مُتْرَعة! * كاتب سوري

مشاركة :