خواطر تقرع الأجراس / أحكام الببغاوات | ثقافة

  • 8/13/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ألقاب تعميمية أطلقها مجهولون على شعراء أو أدباء أو فلاسفة... قديماً وحديثاً من دون معايير نقدية دقيقة. قد تكون صائبة أو مزاجية للتمجيد الزائف أو للتنديد المغرض؛ مثل: هذا أشعر العرب والعجم، وذاك أشعر الإنس والجن، والخنساء أشعر النساء. وأبو حيان التوحيدي أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء، ونزار قباني شاعر الحرير والحريم والنهود، وأرسطو المعلم الأول للعقل البشري... وفي الفن: محمد عبد الوهاب موسيقار الجيل وعبد الحليم حافظ العندليب الأسمر وجورج وسّوف سلطان الطرب... ( الحمد لله أنه ليس لدينا بعد: إمبراطور الطرب !). من الألقاب ذات المعيار النقدي الاستقرائي مثلاً ما أُطلق على أبي العلاء المعري: شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، فقد كان بارعاً، خصوصا في ديوانه (سقْط الزّنْد )، في التعادلية بين غنائية الفكر الفلسفي، من دون طغيان العقل المحض، وبين غنائية الوجدان الذاتي من دون الجموح الخيالي الكسيح. أما نزار قباني فلقبوه بألقاب ظالمة وقاصرة الرؤية الفنية والنقدية، وهي ألقاب استنكار واستهزاء... فعندما انقلب على ذاته الغزلية وبدأ بالشعر السياسي بعد نكسة يونيو 1967 استهجن بعض النقاد شعره السياسي قائلين انّى لشاعر النهود أن يكون شاعر السياسة؟ وكان ردُّه: يريدون للشاعر أن يكون تمثالاً لا يستطيع أن يبرح قاعدته. لا يمكن أن نصب أي شاعر صبّاً في قالب جامد من الألقاب الإسمنتية. فالشاعر الحقيقي قد تمر به حالات وجدانية أو نفسية أو فكرية تأملية فيصوغها وفق تلك الحالات من دون أن يتقولب في قالب جامد من الرؤى، أو المشاعر والمواقف من الكون والحياة، بل ومن التعبير عن أسرار ذاته. الشعر الغنائي الوجداني قوس قزح لا لونَ واحداً له. إيليا أبو ماضي لقّبوه بشاعر التفاؤل. لكنْ اقرأ كل ديوانه ستجد أنه شاعر الحيرة والقلق الوجودي واليأس والشك والتفاؤل، مع التشاؤم. إنه حقاً شاعر... التشاؤل! قصائد إيليا المتفائلة مشهورة. ولا داعي للاستشهاد بها، فالطلاب يحفظونها عبر مراحل التعليم المختلفة والدراسات الأدبية دون نظرة شمولية. ومثال شهير عن شكه وقلقه وحيرته؛ مطوَّلته- اللغز (الطلاسم) والتي تنتهي بالجملة الفلسفية اللاأدرية: لست أدري! وهي ليست الوحيدة بين قصائده الحائرات القلقات... والمتمعن في استقراء، وليس في قراءة ديوانه كله، يجد أن إيليا هو أبو العلاء المعري في شكه وقلقه ويأسه وحزنه الدفين. وما قصائد التفاؤل الأخرى إلا (مكياج) تجميلي زائف يخفي تحته مرارة الحقيقة: «ليَ إيمانٌ ولكنْ لا كإيماني ونسْكي إنني أبكي ولكن لا كما قد كنتُ أبكي وأنا أضحك أحياناً ولكن أيَّ ضحكِ ليت شعري... ما الذي بدّل أمري؟ لست أدري» كلما أيقنت أني قد أمطْتُ السّتْرَ عني وبلغت السرَّ سرّي ضحكتْ نفسيَ منّي قد وجدْتُ اليأس والحيرة لكنْ لم أجدني فهلِ الجهل نعيمٌ أم جحيمٌ ؟ «لست أدري»! يقول عبد الله القصيمي في(العالم ليس عقلاً):» التفاؤل إما بلادة أو حيلة ما لم يكن مزاجاً نفسياً. قد نتفاءل في دعوتنا لأننا متشائمون من داخلنا. التفاؤل فرارٌمن خطر الحقيقة ومن ألم الإحساس بها وهو حالة نفسية لا فكرية. والتشاؤم الذي نراه هدّاماً ليس تشاؤماً في الحقيقة... إنه هزيمة كاملة...". التفاؤل المطلق كالتشاؤم المطلق. لكنني أُغلِّب التفاؤل الواقعي كحالة فكرية لا نفسية، كذلك الألم الفلسفي أو الحزن الوجودي والقلق الكوني المبدع. هكذا استقرأت (شاعر التفاؤل- المتشائل) لا كما قرؤوه فصنّفوه. استقرئْ بنفسك من دون التأثر بأحكام الببغاوات! *كاتب سوري

مشاركة :