اعجبني في العمل في بلدان غربية ان كثيرا من الناس يمتنعون عن إصدار الأحكام علي الاخرين. في البداية اعتبرت ذلك تأدبا و تعففا او عملا بمقولة السيد المسيح بانه ان حكمت علي الاخرين لحكموا عليك، او من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر.لكن تذكرت في علم النفس خدعة الإسقاط التي تجعل شخصا يتهرب من التبصر بصفة تؤلمه فيه فيراها في الاخرين، مثل ان يكون الشخص كاذبا فيرمي الاخر بالكذب،و خدعة تشكيل رد الفعل حين يميل فاسد مثلا لان يري الاخرين فاسدين ليبرر فساده. و يزيد علي ذلك ان الفرد يدرك عادة في الاخرين قدر ما لديه و ليس اكثر ربما لانه لا يفهمه، فالمراهق مثلا لا يفهم دوافع و محبة والديه كاملة الا عندما ينضج ، فيتمني ان يرد صنيعهم حينئذ لو كانوا علي قيد الحياة، و مثل انه لو كان شخص تحركه المصالح و الاهواء صعب عليه ان يفهم من يتمسك بمبدأ او ينتمي لمغزي ينزهه عن الغرض. اضف الي هذا احتمال سوء الفهم حتي بحسن نية، او عدم تواجد معرفة كافية او عشرة، فحتي لو تميز شخص بصفة فيمكن الا يتحلي بها تحت ظروف ضاغطة. بل ان إصدار الأحكام علي الاخرين يجعل مخالطي ذلك الشخص يتوقعون انه سيصدر عليهم احكاما حتي في غيبتهم، و اذا كان الحكم سيئا او جارحا او قاسيا فهو يثير ربما مشاعر الكراهية او النفور او التحدي و الانتقام و يفسد علاقة بسبب ان القائل افتقد الحكمة و تمالك النفس و النزاهة و سعي الي الحط من قدر الاخر و السيطرة عليه.لكل هذه الاعتبارات، فحتي لو كنت دقيقا متعمقا في الفهم امتنع عن إصدار الأحكام ، عالج المواقف موضوعيا، فالخلاف في الموضوع يمر لكن الخلاف الشخصي يبقي ،و لا يتغير شخص الا برغبته و بالقدوة و ليس عنوة، و لا تأبه بمن لا يلتزمون بانتقاء ألفاظهم ،ففضلا عما سبق فما يدينك هو ما تقله و ليس ما تسمعه. ابق الجسور مفتوحة و كن قدوة ليرتفع الاخر لمستواك بدلا من ان تهبط لمستواه، بل اعتبر المشاكل فرصا لتعلم الدروس و اختبارا لقدرتك علي تمالك الاعصاب، فالقوي يسهل عليه الالتزام بالفضائل و الموضوعية و السكينة فتكون كلماته محبة مسؤولة رحيمة موضوعية دون عنف او قسوة او تجاوز، و وطن نفسك ان تتقبل الناس كما هم، و ان تبحث وراء قسوتهم عن وحدتهم او خوفهم او عجزهم فتعذرهم ،و ان تجد في أعماقهم من الصفات الحميدة ما تقدره و تحبه و ترغب في تشجيعه و الأخذ بيده. و اعلم انك حين تفعل ذلك فإنك تربح ايضا ملء مشاعرك بالانفعالات الإيجابية التي تزيد الطاقة و التأثير و تسعد و تقوي مناعة الجسم.فإن فعلت الخير فإنه يعود اليك يوما ما بشكل ما، و في النهاية حسابك و حسابه عند الله.
مشاركة :