هل جربت أن تعيش وكأنك دوما مع روح أخري تتابعك! هي تراك وتدرك وتحس بما تفعله، وبما يعتمل في ذهنك دون أن تراها، لكنك تعرف أنها موجودة حولك وتعرف مواقفها منك دون أن تجبرك علي شيء، ومع ذلك تأخذ مواقفها في الحسبان! أنت تشعر بها روحا تحلق، روحا حانية حكيمة، محبة صابرة، محتوية راضية، وكأنها تجمع ذويك من عالم آخر، جاءت ترعاك وتطمئنك، ترشدك في سلام وأمان، روح ليس لها عمر ولا يهم إن كان لها جسد؛ فهي وعي وحس، وحكمة ونقاء؛ تراك تسعي في لعبة الحياة الموقوتة، فتتفهم وتبتسم، تراك متعجلا فتتروي، تراك متوترا فتطمئنك، تراك قلقا فتثق، وأنت في جميع الأحوال تأخذ بموقفها عن رضا، ولو بعد حين؛ فهي كل الأمان وكل الراحة وكل المحبة و كل الحكمة و كل الصفاء و كل الخلود، وأنت لا ترتاح إلا في معيتها، ولا تسمو إلا بها، وهي التي تلهم من خلالك، وهي التي تحل فيك وأنت تمرح وتداعب، وهي سلامك و كمالك، و صحبتك و أنسك؛ بها تري الدنيا من بعيد، و تكتشف ما في ذاتك، و معها تعيش عالمك الخاص ، هي تعينك علي تفهم صغائر البشر، و علي تقبل حكمة الحياة، بكل ما يبدو في ظاهرها من شرور و آلام، فتجعلك قانعا مسلما، محتويًا متفهما ، مترويا متقبلا، و كأنك ضيف علي هذه الحياة. هل تستطيع أن تتأمل شيئا كهذا! و هل تجد في حياة كهذه متعة تغني عن ماديات و رغبات و نزوات ! هل تتصور أنك بها يمكن أن تعمل بلا كلل، و أن تسعي بلا تعلق، وأن تحتاج بلا مذلة، وأن تغامر بلا ضمان، وأن تعيش يومك بحس فنان ووعي حكيم وقرار قائد و عزم بطل و انعزال ناسك، يستلهم من الرسل تسامحهم و محبتهم وأمانهم و رسالتهم! و هل تتقبل ان تعيش جسدا في هذه الحياة، وروحا كأنها تأتي من زمن آخر أو من اللازمن واللا مكان إلي زماننا ومكاننا! هل تساءلت عن مغزي أنك عشت عمرا دون أن تشعر بذلك ولماذا تشعر به الآن! ... أنا مازلت أتساءل.
مشاركة :