نُردد منذ الصغر حكاية الوقت والسيف فإن لم تقطع الوقت إيجاباً فهو سيقطعك إرباً ومع هذا يُنسف المدعو الوقت نسفاً في المقاهي والاستراحات بين غيوم التبغ والمعسّل ثم يصبح ذات الوقت الضائع هُناك في منتهى الأهمية حين يجلس ذات القوم خلف مقاود سياراتهم التي تئن من وعثاء الطرق وزحامها فيصابون بمتلازمة السيف والوقت. ذاك السيف المعنوي المُسلّط على رقابنا صغاراً حقن أوردة خوفنا كباراً ب(الادرينالين) والوقت يتسرب ما بين شرايين طرقات المُدن الكبرى وزحامها. يسألني كل من قابلت في المحافظات أو المُدن الصغيرة: كيف تتحملون يا أهل الرياض هذا الزحام المهول؟ يُجيب الموظف والمُعلّم والعسكري ورجل الأعمال بأن هذا هو قدرهم ولاسيما وقد تعمّقت الجذور في تربة الرياض وامتدتْ أغصان الأسرة في أطرافها فلات مناص ولا مهرب فالرياض المدينة (الدولة) كانت البدايات وربما يكون فيها آخر (مشوار) في الحياة. يقول أحد الكهول: أتيتُ من خارج الرياض رغبة بمهابتها وجامعتها(اليتيمة) التي كانت خياري الوحيد وبعد التخرج وجدتُ الفرص الوظيفية متعددة المواقع لكنني أحببت حينها الرياض فكنت منها وفيها ومن أتى بعدي من نسلي. إذاً هل الرياض أعجوبة المُدن التي تحمل سحرها الغامض الذي لم يُكتشف لحد الآن؟ ربما أهل الدراسات الديموغرافية يعرفون السرّ أكثر. بعيداً عن العاصمة المُكتظّة دوماً جمعتني مؤخراً مناسبة فرح بغلمان من أهل الجبل الجنوبي حين عرفوا بأنني رياضي (نسبة للرياض) أجمعوا "بتأوهٍ" على حلم واحد وحيد هو الرحيل إلى هناك وحين ذكّرتهم بحال شوارعها وطرقاتها التي لا تُطاق فوجئت بقولهم "نفدى زحامها"! يبدو بأنه حلم العواصم المتوارث. على أيّ حال أقول: ألا ليت زحام الرياض مثل كلمة كُتِبتْ خطأً ولا يحتاج تصحيحها سوى الضغط على مفتاح (Delete) لتختفي تماماً ولكنه ليس كذلك بل واقع مزعج يحتاج إلى عمل دؤوب من قبل (دوريات) ذات شعار أخضر تخلّتْ عن مسؤولياتها واختفت فجأة من الطرقات كتلك الكلمة الخطأ المُزالة بفعل مفتاح صغير. لمراسلة الكاتب: aalkeaid@alriyadh.net
مشاركة :