أين ذهب الخليفة..؟ - أميمة الخميس

  • 9/9/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أعتقد أن غالبية الشعب التركي يعي ثنائيته الحضارية والاجتماعية، الناتجة عن كونه شعب المفصل وازدواجية المكون، فوطنه يمتد فوق قارتين جزء لآسيا وآناضوليا العثمانية، والآخر فوق أوروبا أتاتورك والعسكرة العلمانية، وفوق هذا البرزخ يعاد صناعة تركيا الحديثة عبر نسيج مختلط، وتجاذبات إرث غائر من الخلافة العثمانية وإرادة قوية لدى النخب باتجاه المستقبل. الشعب التركي قد تآلف مع هذا الانشطار والثنائية، كجزء من هويته القومية، وبات يرى في عملية التتريك ثراءً وغنى. لكن الباقي الآن أن تقتنع جماعات الإخوان والإسلام المسيس، وأولئك الذين تستغرقهم أحلام الخلافة في العالم العربي بهذا! وأن تتوقف عمليات الحشد والتجييش المؤدلج، والتعبئة المواربة، وتجهيز الأجندات المضمرة أحيانا والظاهرة أحيانا أخرى. بالطبع إخوان الداخل لايسمحون بهذه الثنائية داخل أرض أحلامهم المثالية، فالمتطرف لايستطيع أن يتوافق مع نسبية الحقائق ومكونها الخاضع لقانون الصيرورة والتبدل، فالحقيقة لديهم أحادية قاطعة، وهم لايستطيعون تجرع مرار حقيقة أن المصنع الذي يتخلق فيه المنتج الحضاري في عصرنا هذا من مخترعات وعلوم فضاء وطب وفلسفة وفنون وآداب، لم يعد في المنطقة، بل أوغل بشدة باتجاه الغرب. إخوان الداخل مابرحوا يرون في الرئيس التركي النموذج المتكامل للخليفة الذي عاد ليحيي دولة الخلافة، هذا رغم أنه حين زار المنطقة بعد ثورات الربيع العربي قد زأر في وجوههم بأن العلمانية هي الحل! وأنها الترياق ضد الطغيان والظلم والدكتاتوريات، فلم ينصتوا لهذا الزئير الموبخ، واعتبروا الأمر خدشا عابرا لفكرهم سرعان ما تجاوزوه، ولاذوا بمرجعيتهم ومعلوماتهم التي سبق أن دسوا الكثير منها في مناهجنا المدرسية، وعندما أخبرونا أن أتاتورك ليس إلا عميلا ماسونيا، ولأننا كنا صغارا لا نعلم تحديدا ما الماسوني، فكانت المعلمة تشرح أن الماسوني هو ذئب من عبدة الشيطان (هذا هو نوع الوعي الذي كان يمرره لنا من غفا على مشارف الخلافة وقد لاحت في الأفق). لذا جميع ماسبق يجعلني أفهم موقف (إخوان الداخل) من حادثة الاعتداء على العائلة السعودية في مطار إسطنبول، فالعنف من عناصر في شرطة المطار ما هو إلا إرث الانكشارية العثمانية، وقرون من البروتوكول العسكري المنظم الذي جعل العسكري التركي في غاية الشراسة فقد نقلت لنا الوسائط الإعلامية حادثة اعتدائهم على امرأة أميركية أيضا، لكن مقابل هذا من يقوم بالتحقيق مع أولئك العناصر الآن ويخضعهم للاستجواب والمحاكمة، هو قانون الدولة المدنية الحديثة حيث سيادة القانون فوق الجميع، ومن يستجوب تلك العناصر المتوحشة هي دولة تركيا الحديثة بمرجعيتها الدستورية ببرلمانها وباستقلالية السلطة القضائية وجميع ما حاوله أتاتورك ورفعه سلما كي تصعد عليه تركيا من كبوتها وتفر من مسمى الرجل المريض. المفارقة أن مناقشات ومساجلات الرأي التي اشتعلت بعد حادثة الاعتداء على العائلة السعودية لم تكن تقوم على أرضية حقوق الإنسان، وحقوقي كمسافر والجهات التي من المفروض الذهاب لها عند تعرضي لإهانة أو اعتداء، بل تحول النقاش إلى سجال بين مؤيدي ميدان رابعة ومحتشدي ميدان التحرير، وفرغت حادثة الاعتداء على العائلة السعودية من جوهرها. ما أوصل حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم ليس فرمان الباب العالي الموقع بالخاتم السلطاني، وليس عبر الفتوحات وصولة المتغلب والجزية التي يدفعها الكفار عن يد وهم صاغرون، بل حزب العدالة والتنمية وصل لسدة الحكم عبر انتخابات نزيهة داخل دولة القانون والمؤسسات العلمانية، وهو حزب اليوم قد استنفد طاقاته ولربما سيغيب عن المشهد في حال قامت تركيا بانتخابات مبكرة. الأتراك حسموا أمرهم منذ زمن! لكن ماذا عن أخوان الداخل؟ فرغم توالي الصدمات فلن يخضعوا لحقيقة تهدم وتلاشي الحلم بسهولة. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net

مشاركة :