حين نحتفل اليوم بمرور 85 عاما على توحيد أجزاء بلادنا الغالية، فإننا ندرك تماما أهمية هذا التوحيد وكم هو جوهري للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وللعيش الآمن المستقر. حين يحتفل الناس بذكرى حدث ما، فإن أهم ما يحققه الاحتفال هو التفكير في ذلك الحدث المحتفى به، والتبصر في المعاني التي يوحي بها، ومن يتأمل في حدث توحيد هذه البلاد، يجد نفسه تمتلئ بالإعجاب والتعجب معا، كيف أمكن جمع تلك العصي الهشة المتفرقة، في حزمة واحدة تتباهى بقوتها وصلابتها؟ لا شك أن ذلك لم يتحقق بيسر، وبلا ثمن، لقد دفع الأجداد ثمنه غاليا من أرواحهم ودمائهم، ليتمتع أحفادهم بجني الثمرة. ولعل أبرز العبر التي نقتطفها من اليوم الوطني، أن هذا التوحيد الذي جمع شتات أجزاء الوطن، ما كان له أن يتحقق لو لم تكن روح التعاون والتضامن قائمة بين أفراد الشعب، وبين الشعب والقائد، فلو لم يوجد ذلك التعاون والدعم، لما أمكن لذلك التوحيد أن يولد. ولو لم يكن هناك إقبال على العمل وصبر على المشقة، ما كان ليتحقق للناس ما يتقلبون فيه اليوم من نعمة جلبها لهم التوحيد، فلو أنهم آثروا عيش الكسل والخمول ما باتوا ينعمون بهذا الحصاد العظيم. ولكن من طبيعة النعم أنها متى لم تجد من يحافظ عليها، أن تزول سريعا مغادرة موقعها، فالنعم تزدهر وتنمو وتتفرع متى وجدت حضنا شاكرا يحتويها، ويدا مخلصة تدفع الأذى عنها. ونعمة توحيد الوطن ليست استثناء، هي كذلك في حاجة إلى احتضان ورعاية حتى تبقى وتنمو وتزدهر. ومن غير أبناء الوطن أنفسهم الذين يقومون بذلك، فيحرصون على بث بذور التسامح فيما بينهم والقبول لبعضهم بعضا على اختلاف فئاتهم وأفكارهم ومذاهبهم، يقدمون حسن الظن ويلتمسون العذر حتى لا يحدثوا شرخا في جدار المحبة بينهم فيقعون في شباك ما يهدم وحدتهم ويلوث هواءهم بسموم الكراهية والتعصب والاستعلاء. حب الوطن يتجسد في المحافظة على مكتسباته بالقول والعمل، وأهم مكتسبات هذا الوطن تحقيق الوحدة بين أجزائه. وفي هذه الأيام التي يترصد فيها أعداء الأمة العربية لأي ثغرة للانقضاض منها لتحقيق مآربهم في التقسيم وإشعال العداوات بين أبناء البلد الواحد، يصير تقديس وحدة الوطن والنظر إليها كمحور جوهري لبقائه وقوته وأمنه، واجبا أخلاقيا وشرفا يتزين به كل مواطن محب للوطن وأهله.
مشاركة :