لصديقي الذي توارى خلف ستار فشل تجربته الأولى أقول : إذا كنت لا تملك ذلك الشعور الداخلي الذي يدفعك نحو السمو فلا تنتظر حدوث تغيير مهم في حياتك ، أو في حياة غيرك ، فمنبع كل التأثيرات الهامة في حياة البشر هي مشاعرهم ومكنونات أنفسهم ، فمن لا يغمض عينيه محاولاً الغوص بعيداً في أعماقه على الأقل مرة في كل يوم أو يومين بغية البحث في دهاليز نفسه ومجاهيلها عن الغاية من وجوده حياً فوق أديم الأرض ، فحتماً لن يتمكن من تلمس القوة الكافية للتغيير نحو الأفضل ، ولن يتأتى له الرقي من أمكنته التي يختنق تحت سخامها ، سيظل قابعاً في ذات الدائرة التي تؤرقه متخذاً من البيئة والمجتمع ذرائع لكل إخفاقاته ، من هنا تأتي أهمية قوله تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الآية ، فالتفوق في المدرسة لا يناله الطالب على طبق من الصدفة ، والوظيفة الجيدة أو العمل الجيد لن ترام ما دامت نفس الشاب غير تواقة للإنتاج والإبداع ، والزواج لن يحاط بالسكينة والطمأنينة إن لم يكن له أساس حب ، والتربية رأس مالها أبداً اللطف واللين والمودة ، با ختصار شديد .. مشاعرنا وعواطفنا هي المصباح السحري لكل جماليات الحياة ومغامراتها ولذائذها ، ولا أظن أحداً يخالفني أن التغيير المثمر يأتي في طليعة تلك اللذائذ ، وأن التطوير المستمر هو ذروة سنام المغامرة والحيوية والنشاط ، وأن راحة البال والضمير هي كنز الجمال النفسي والذهني معاً . إن من يرحم الناس على اختلاف ألوانهم ومراتبهم ومعتقداتهم سوف لن يندم بذلك ، كما أن من يحب أهله وأبناءه وجيرانه وزملاءه سوف لن يبات ليلته قلقاً مرتاباً ، كذلك ؛ إن من يطمح ويتطلع للنهوض والتقدم والسمو فإنه لن يعود لبيته وهو يرى نفسه كسولاً بليداً ، حتى وإن لم ينجز ما يشبع غروره ذلك اليوم ، يكفي ألا تخطئه حينها مشاعر الاعتزاز بالنفس ، فلا تجعل مفرزات بيئتك الجافة تحرمك لذة انهمار المطر ، ولا تصغ كثيراً لمجتمعك كلما لاحت لك فرصة التحرر من قسوته وأحكامه وانتهاكاته لمشاعرك ، دع هيكل تجربتك الفاشلة خلفك ينشغل بها من لا عمل له ولا هواية سوى تتبع زلات البشر وهفواتهم وسقطاتهم ؛ واحمل في يمينك روحها التي هي من روحك ، ووليدة لدوافعك الوجدانية للعيش راقياً متحركاً متجدداً ، فإنك إن أسلمتها من الوهلة الأولى للفشل فإنك لن تستطيع بعدها أن تبعث في نفسك أي تجربة أخرى .
مشاركة :