قفزة هائلة تحققت في سوق العمل ما بين عام 2010 -2014، فبحسب تقرير وزارة العمل لمجلس الشورى، فقد ارتفع عدد العاملات في القطاع الخاص 670% خلال أربع سنوات، ليصبح عدد العاملات 468 ألف مواطنة في سوق العمل. أي أكثر من 460 ألف مواطنة جلسن فوق عرش العفة والكفاف، 460 ألف يد وطنية استثمرت تنموياً، 460 ألف بيت سعودي ارتفع دخله وانتعشت دورة رأس المال الوطنية، 460 ألف مواطنة بدأت تبلور وتراكم الخبرات في مشروع يسعى إلى حقن جزء ولو يسيرا من النزف الاقتصادي الذي كان يغادر هذا الوطن إلى الخارج. بالتأكيد الوصول لهذه النتائج الوطنية المبهرة يعكس رؤية ملك الحزم وبادرته التاريخية عندما حضرت المواطنات لمبايعته في بداية عهده الميمون، وعندما أصبحت المواطنات والأخوات جزءا من الخطاب الرسمي (وسوف نعمل على بناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل). وأيضا نتاج نضالات طويلة خاضتها المواطنة نفسها بدعم من السياسات السابقة في وزارة العمل التي بدورها واجهت الكثير من الصعوبات، ولكن استطاعت كسر الصورة النمطية بحرفية ومهارة، وتجاوز المثبطين والمخذلين ومضت في طريقها التنموي المستجيب لمتطلبات المرحلة. وبعد غرس الحقول وتشجير الدروب... تفاجأ المواطنة اليوم بوزارة العمل بدلا من أن تحدب وتحافظ وتحمي هذه النبتة الرقيقة التي هي بحاجة للكثير، تصبح هي غريما رسميا لها في سوق العمل، بفرض غرامة 1000 ريال إذا لم تلتزم بالحجاب الشرعي! قرار غريب من وزارة العمل أن تهمل المأزق الذي يعيشه سوق العمل لدينا، وتهمل حقيقة عجزها عن تحقيق خطط السعودة حتى وصلت نسبة البطالة لدينا 11.7%، توظيف السعوديين ينخفض 36%، وبلغ عدد الوافدين 10 ملايين أجنبي وتغيب 86 ألف عاملة منزلية خلال عام واحد! حسب أرقام التقرير الذي ناقشه مجلس الشورى حول وزارة العمل. وتترك وزارة العمل جميع هذا المشكلات الكبرى، وتتصدر لتصبح خصما للمواطنة في سوق العمل. وزارة العمل بهذه الخطوة تخوض في ساحة غامضة، لعدة أسباب:- 1- تفتح بوابة إشكاليات كبرى حول تفسير حدود وشكل الحجاب الشرعي، فكما هو معروف الحجاب يخضع لخلاف فقهي قديم، وأيضا تفاوت مناطقي في تفسير حدوده، لذا عادة تترك هذه المواضيع الحساسة للمجتمع المحافظ والمواطنة نفسها وفطرتها وحشمتها الإسلامية، والنساء اللواتي كن يبعن في الأسواق الشعبية دوما كن يلتزمن به كجزء من متطلبات بيئتهن ومحيطهن الاجتماعي، ولم تلوح لهن وزارة العمل بهراوة الغرامة!. لذا الغرامة تدخل غير ذكي وغير قادر على التخلص من تجاذب التيارات والاستقلال كجهة تنفيذية فقط هدفها توفير بيئة صالحة للمواطنة فقط. 2-هذا القرار يجعل المواطنة متهمة محتملة.. بلا خطيئة! على حين لم يشر إلى قوانين صارمة ضد التحرش بها، أو مضايقتها داخل بيئة العمل، أو بخس حقوقها الوظيفية والقفز على مستحقاتها لحساب الرجل، بل لم تلزم صاحب العمل بأي تسهيلات على مستوى المواصلات أو حضانات لصغارها، وزارة العمل تغاضت عن جميع هذا، ولوحت فقط بعصا الغرامة في وجهها بشكل مهين. 3-هذا القرار يلقي بظلال غامقة وغير مريحة حول سوق العمل، ويجعله يكرس نظرة اجتماعية دونية مستريبة، وهو ليس في صالح سوق العمل أو خطط التنمية على المدى البعيد. 4-إذا عرفنا أن وزارة العمل أصبحت تستعين بمفتشين من خارج الوزارة لزيادة قدرتها التفتيشية، وأولئك المفتشون سيحررون محضر ضبط (بالموقع) دون تنبيه وإنذار مسبق، فلنا أن نتخيل محاكم التفتيش التي تأسست في الأسواق على يد وزارة العمل لإزعاج العاملات والتربص بهن. 5- وزارة العمل مع الأسف تعجز عن ترجمة رؤية القيادة، وتهدم إنجازات القيادات السابقة وقراءة متطلبات المرحلة وتجدف عكس التيار.. ونخشى أن تكون هناك عملية اختطاف للقرار داخل أروقتها. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :