شهد القطاع المالي والمصرفي في مملكة البحرين خلال السنوات الثلاث الماضية نشاطا واسعا باتجاه التحول نحو الخدمات المالية الرقمية، واعتماد منتجات التكنولوجيا المالية في جميع مناشطه وبما يتسق مع رغبات العملاء ويستجيب لتطلعاتهم المتغايرة، وذلك في إطار توجه حكومي محسوم نحو التوسع في المعاملات الرقمية بما فيها دعم واحتضان البنوك الرقمية، وعد ذلك ضرورة وطنية للمحافظة على موقع المملكة الحيوي على خريطة البنوك والمؤسسات المالية العالمية والاقليمية، فكان ذلك حافزا قويا لتطور المؤسسات المالية والمصرفية أنشطتها وبما يعزز قدراتها التقنية وتمكينها من تقديم اكبر قدر ممكن من أعمالها إن لم يكن جميعها رقميا، وبما يقود إلى جذب ودعم وتوطين مشاريع التكنولوجيا المالية والمؤسسات المالية ذات الطابع الرقمي إلى جنب إرساء قاعدة تشريعية وبيئة جاذبة للمصارف والمؤسسات المالية، تتميز بالريادة والنمو المتواصل، وإيجاد البيئة التنظيمية الداعمة للابتكار في قطاع الخدمات المالية، فقد بدأ مصرف البحرين المركزي بإنشاء وحدة التكنولوجيا المالية، ثم اطلاق البيئة الرقابية التجريبية، ليلحقها بإطلاق منصة FinHub 973، بالإضافة إلى تهيئة البنية التحتية والبيئة التشريعية والمؤسسية والتنظيمية المواتية لاستقطاب الاستثمارات الجديدة في مجال البنوك الرقمية؛ فمثلا تمكن بنك البحرين الإسلامي Bahrain Islamic Bank من قطع شوط كبير في اعتماد التقنيات الرقمية المعاصرة، فقد أطلق في عام 2017م تطبيق «الإسلامي الإلكتروني» الذي اشتمل على مجموعة متنوعة من الخدمات المصرفية الرقمية المتوافرة في كل وقت عبر الإنترنت والهواتف الذكية. ومن شأن التطبيق مساعدة عملائه في إجراء جميع معاملاتهم المصرفية بطريقة آمنة ومضمونة في أي وقت ومكان. وافتتح البنك في 10 مارس 2019 أول فرع رقمي متكامل في مجمع جاليريا بمنطقة الزنج. علما ان بنك البحرين الإسلامي هو عضو مؤسس في المركز العالمي للتكنولوجيا المالية الإسلامية والمستدامة (GISFC) الذي اشهر في 20 أكتوبر 2018 بمملكة البحرين. وقد أطلق بنك البحرين الإسلامي تطبيق «الإسلامي الرقمي» في شهر ابريل 2020م كفرع رقمي تابع له. وقد حقق نجاحا كبيرا في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية الرقمية لعملائه في البحرين، بالإضافة إلى انه يتيح لهم ربط حساباتهم في البنوك الأخرى وعرضها على منصته. فيما أنشأ بنك إلى الرقمي من قبل بنك ABC في 24 نوفمبر 2019، ليوفر من خلال الهاتف المحمول عددا كبيرا من الخدمات المصرفية، منها: اشتراك رقمي بالكامل خلال دقائق، إصدار بطاقة خصم افتراضية للمستخدمين فورَ الاشتراك، التي يمكنهم استخدامها من إجراء العمليات عبر الإنترنت. كما يوفر خيارات تغذية مرنة تشمل دمج التطبيق ضمن قناة الدفع الرائدة في الدولة، وحسابات متعددة بالعملات الأجنبية يمكن ربطها ببطاقة واحدة. ويمكن للمستخدمين تحويل الأموال بين هذه الحسابات من دون زيادة في الرسوم. ويوفر أيضا حسابات جارية بفائدة، من دون حدٍّ أدنى أو قيود، وتُحسب يوميًا وتدفَع شهريًا. ويتيح مزايا تحكّم كاملة بالبطاقة من داخل التطبيق، بما في ذلك تحديد/إعادة تحديد كلمة السر، وتجميد/إلغاء البطاقة الضائعة، والإيقاف وإعادة الطلب الفوري في حالة فقدان أو سرقة البطاقات. علاوة على ان مساعدة العملاء الرقمية المدعّمة بالحمض النووي الرقمي «فاطمة» موجودة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتُبقي العملاء والمجتمع عموما على اطّلاعٍ بخدمات بنك «إلى»، وتجيب عن أسئلة العملاء على مدار الساعة عبر الموقع. وخلال عمره القصير تمكن البنك من تقديم خدمات على درجة عالية من الكفاءة، وقدم نموذجا مصرفيا مبتكرا بتصميم سهل الاستخدام يتيح الفرصة لأكبر عدد ممكن من الزبائن للتعامل معه. وأطلق بنك البحرين الوطني بالتعاون مع خليج البحرين للتكنولوجيا المالية في شهر أغسطس 2021 تحدي الخدمات المصرفية الرقمية بما يؤدي إلى تطوير حلول جديدة ومبتكرة عبر تطبيق الخدمات المصرفية الرقمية للبنك الوطني، فضلا عن تنمية القدرات الرقمية للشباب البحريني وتمكينهم من استكشاف مختلف الاتجاهات التقنية الجديدة. وفي الختام لا بد من تأكيد أن البحرين تتسم بالعديد من المزايا التنافسية التي تعد ضرورية ومؤثرة في توطين التكنولوجيا المالية، على رأسها تحديد المعايير والمبادئ التوجيهية والتنظيمية التي يجب الالتزام بها من قبل البنوك وشركات التكنولوجيا المالية التي جاءت انطلاقًا من حرص مصرف البحرين المركزي على أن يكون عاملاً رئيسيًا في دفع عجلة التطوير وطنيا وإقليميا، ولاعبا أساسيًا في دعم الأفكار والشراكات الجديدة على الساحة بما يجعل البحرين بيئة مثالية لنمو الابتكار ونمو الشركات الناشئة في هذا المجال. ومما ينبغي الإشارة إليه ان إطلاق أول صندوق حماية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من قبل مصرف البحرين المركزي لتمكين الشركات الناشئة وكذلك المؤسسات المالية الحالية من اختبار حلولها المالية المبتكرة في بيئة خاضعة للرقابة ومحددة زمنيًا وتتعامل مباشرة مع العملاء يعد عاملا مهما في تعزيز نشوء ونجاح مختلف أنماط شركات التكنولوجيا المالية وبما فيها البنوك الرقمية. وبناء عليه يمكن القول إن مملكة البحرين تحتل موقعا ديناميكيا متناميا على خريطة البنوك الرقمية على الصعيدين الاقليمي والعالمي، وإن السنوات القادمة ستشهد المزيد من التطور بما فيه اطلاق بنوك رقمية افتراضية جديدة. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :