كثير هم الذين يؤمنون ظاهرًا، وكثير من هؤلاء يصدق عليهم قول الحق تبارك وتعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون). وأحسب أن الشرك هنا لا يقتضي بالضرورة السجود لصنم، أو التبرّك بحجر، أو الاستغاثة بقبر، وإنما معظمه قلبي يرتبط بحب المال، والإغراق في الشهوات، وطاعة الخلق دون الخالق؛ لدرجة اليقين بأن فلانًا يعطي ويمنع، ويهب ويسلب، والعياذ بالله. ولكل من هذه الشركيات الخفية آثار تظهر على السلوك، وأشنعها النفاق الراسخ في القلب الضارب في أعماق الوجدان؛ لدرجة أن صاحبها يبلغ مرتبة الذين (مردوا على النفاق) زاعمين بأنهم المصلحون حينًا، وأنهم الوطنيون حينًا آخر! هؤلاء يُمد لهم في الحياة الدنيا؛ لأن مصيرهم الأخروي خزي، ومهانة، وخلود في الدرك الأسفل من النار. ومن الصور الأخرى المؤلمة الولوغ في حب المال؛ لدرجة استبعاد كل أثر أخروي على السلوك الدنيوي، بمعنى ألاّ يحسب للغيب حسابًا، ولا لعواقب العقوبات العاجلة مكانًا. ومثال ذلك العقوق، وقطيعة الرحم؛ رغبة في دنيا يصيبها، أو زوجة يُرضيها، وفي أحسن الأحوال أعمال لا تنتهي يقضيها. تصوّروا أولئك الذين يسارعون إلى الحجر على الأب الثري؛ رغبة في اقتسام ثروته، دون رغبته، أو موافقته، فيلجأون إلى شهود الزور، وعملاء الشياطين، ليحققوا لهم منكرًا من الفعل وزورًا. ومرّة قصَّ شيخٌ فاضلٌ قصةَ امرأة مسنّة جمعوها مع ابنها العاق ليُصلحوا بينهما، والعاق قد أدار وجهه، لا يريد رؤية أمّه وكأنّها نكرة مستقذرة! وبعد أن أطال الممانعة والمقاطعة صاحت الأم: (أحرق الله قلبك، كما أحرقت قلبي)، ثم خرجت فما رأى العاق بعدها خيرًا، بدءًا بابن مصروع في حادث مؤلم، وانتهاءً بأمراض، وأزمات، وفواجع! أمثال هذا لا يحسبون للغيب حسابًا، ولا لوعيد الله عندهم قدرًا ومكانًا. هؤلاء جديرون بالشفقة حتى يُوعظوا، ويُنصحوا، فإن أبوا فإن نقمة الله عاجلة، وآثارها -مهما بدت بعيدة- حاصلة. اللهم إنّا نعوذ بك من شرك خفيّ، ومن ضلال جليّ، ومن عذاب أبديّ. salem_sahab@hotmail.com
مشاركة :